في وقت يبدو فيه أن رفع الدعم أصبح أمراً قريباً، بدأ الحديث عن خطة حكومية لاستبدال الدعم ببطاقة تمويليّة للأسر المستوفية لشروط الحصول عليها، كمعونة لضمان قدرتها على تأمين جزء من حاجاتها الأساسية التي سترتفع أسعارها بشكل كبير بعد رفع الدعم. وفكرة البطاقات التمويلية، أو الدعم المباشر للأسر، ليست أمراً جديداً، حتى في الدول المتقدّمة التي تُعتبر رأسمالية، حيث يُسمى هذا النوع من الدعم بـ«برامج شبكات الأمان الاجتماعي». وتندرج تحت شبكات الأمان هذه برامج عدة، لكل منها هدف معيّن، مثل المساعدات الغذائية، والتقديمات للعاطلين عن العمل، وتقديمات السكن وغيرها. وهي بمثابة شكل من أشكال إعادة توزيع للثروة، إذ تُموّل من الضرائب وأصحاب الأعمال والإنفاق الحكومي.
على سبيل المثال، تضم شبكة الأمان الاجتماعي في أميركا برامج عدة، أبرزها برنامج «مساعدة التغذية التكميلية» الذي تستوفي شروطه الأسر التي يقع صافي دخلها على خط الفقر أو تحته. وهو عبارة عن برنامج يقدّم مساعدات شراء الأغذية عبر بطاقات إلكترونية يمكن للأسر المستفيدة منها استخدامها للتبضّع في محالّ السوبرماركت والمتاجر الصغيرة ومحالّ تجارة الغذاء بالتجزئة. ويستفيد عدد كبير من الأميركيين من هذا البرنامج. فبحسب وزارة الزراعة الأميركية، استفادت 20 مليون أسرة تضم 40 مليون شخص من هذا البرنامج عام 2018، بمعدّل شهري يبلغ 250 دولاراً لكل أسرة. وتضم شبكة الأمان الاجتماعي في أميركا برامج أخرى، مثل برنامج «الدخل التكميلي الإضافي» الذي يُعنى بدعم كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة من خلال دفع مساعدات نقدية لهم، وبرنامج «صندوق رعاية وتنمية الأطفال» وغيرهما.
وتتضمن شبكة الأمان الاجتماعي في فرنسا مخصّصات للأسر، مثل الإعانات التي تُدفع للعائلات التي تضم أكثر من طفلين معالين تحت سنّ العشرين، وتختلف الإعانة بحسب دخل الأسرة وعدد الأطفال لديها، وتُراوح بين 32 يورو و 130 يورو شهرياً للأسر التي تضم طفلين، وبين 75 و300 يورو للأسر التي تضم ثلاثة أطفال، وبين 42 و168 يورو لكل طفل إضافي. كما تُدفع إعانة إضافية \ تكميليّة للأطفال الأكبر من 14 سنة تُراوح بين 14 و60 يورو شهرياً لكل طفل (باستثناء الطفل الأول في العائلات التي تضمّ طفلين فقط). وتشمل هذه المخصّصات تقديمات الطفولة المبكرة التي تُدفع للأطفال الحديثي الولادة حتى بلوغهم سن الثالثة كإعانة أساسية، إضافة إلى إعانة لتغطية أيّ عمل أو مدخول تخسره الأسرة بسبب انشغال الأهل بتربية الطفل، وتستمر هذه الإعانة حتى يبلغ الطفل الثالثة من عمره، بالإضافة إلى إعانات أخرى للأسر التي تضمّ أطفالاً يعانون من أمراض ومن ذوي الاحتياجات الخاصّة وتقديمات أخرى.
20 مليون أسرة أميركية استفادت عام 2018 من برنامج «مساعدة التغذية التكميلية»
وفي بريطانيا، تتضمن شبكة الأمان الاجتماعي مخصّصات للأسر مثل معونة الأطفال التي تُقدّم للأسر التي تضم أطفالاً أصغر من سن 16 سنة و(20 سنة للأطفال الطلاب)، على أن لا يتعدى مدخول أيّ فرد من الأسرة 50 ألف جنيه استرليني في السنة. وتبلغ قيمة هذه المعونة 20 جنيهاً أسبوعياً للطفل الأول و13.7 جنيهاً لكل طفل إضافي. كما تُعطى إعانة على شكل ائتمان ضريبي (Tax credit) للأسر التي تضم أطفالاً تحت سن الـ 16، وهو عبارة عن حسم على ضريبة الأسرة المستحقّة للدولة، وقد تختلف قيمة الائتمان الضريبي بحسب مدخول الأسرة وعدد الأطفال فيها. كذلك تقدم الحكومة إعانة على شكل «ائتمان شامل» (Universal Credit) للعاملين ذوي الأجور المنخفضة وللعاطلين عن العمل ويصل هذا الدعم إلى 500 جنيه أسبوعياً.
أما في ألمانيا فتندرج تحت شبكة الأمان الاجتماعي مخصصات لإعانة الأسر التي تضم أطفالاً تحت سن الـ 18، وتدفع الحكومة للأسر 194 يورو شهرياً للطفل الأول و200 يورو للطفلين الثاني والثالث و225 يورو لكل طفل إضافي، إضافة إلى مخصصات إضافية للأشخاص الذين تكفي مداخيلهم لإعالتهم لكن لا تكفي لإعالة أطفالهم، وتصل هذه المساعدات إلى 135 يورو شهرياً للطفل. كما تقدم الحكومة «دعم الحد الأدنى من المداخيل» للأسر غير القادرة على إعالة نفسها، وهو يغطي الفرق بين حاجة الأسر إلى تأمين الحاجات الأساسية (تتضمن كلفة السكن) ومدخولها. وتقدر الحكومة كلفة الحاجات الأساسية بما يُراوح بين 332 و416 يورو شهرياً كأساس (تختلف حسب عدد أفراد الأسرة)، وما يصل إلى 316 يورو لكل طفل إضافي (بحسب عمر كل طفل).
تتشابه تقديمات شبكات الأمان الاجتماعي للأسر في بلدان أوروبا إذ تُعتبر بمثابة مساعدة من الحكومة للأسر التي تضم أطفالاً يافعين لتغطية الأكلاف الإضافية لإعالتهم، أو على الأقل تغطية جزء منها. وتضم تقديمات شبكات الأمان الاجتماعية مخصصات أخرى مثل تقديمات البطالة التي تُدفع نقداً للعاطلين عن العمل. وهذا النوع من التقديمات موجود أيضاً في أميركا. كما تؤمن بلدان أوروبا تقديمات أخرى، مثل مخصصات لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وتقديمات الأمومة وإصابات العمل. وتأتي هذه التقديمات كضمانات للأفراد ضد انقطاع أو توقف المداخيل، ولتغطية الأكلاف الناتجة عن الزواج والإنجاب، وتلعب هذه التقديمات دور الشبكة التي تتولّى مساعدة الأفراد في حال وقوعهم في أزمات مالية قد تؤثر في قدرتهم على الاستمرار في الحياة.
«الإعاشات» الممنوحة للقطاع المصرفي
• كانت رساميل المصارف مُجتمعة 141 مليون دولار في أوائل التسعينات، أصبحت 33 ألف مليار ليرة، جُزء منها بالدولار، جنتها – بالدرجة الاولى – من فوائد وعوائد على سندات الخزينة واليوروبوندز والهندسات المالية التي نظّمها لها مصرف لبنان.
• بين عامي 2015 و2018، وزّعت المصارف أنصبة أرباح على مالكي الأسهم العادية بما يفوق 3 مليارات دولار.
• مجموع أنصبة الأرباح التي وزّعتها بين 2011 و2018 بلغ 7 مليارات و246 مليون دولار. (تقرير لجنة الرقابة على المصارف سنة 2019). هذه الأرباح كانوا يحصلون عليها بالليرة، ثمّ يشترون بها الدولار، ليُحوّلوا الجزء الأكبر منها إلى الخارج.
• الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان للمصارف: الهندسة الأكبر بين حزيران وكانون الأول من 2016 ضخّت أرباحاً استثنائية فورية للمصارف وكبار المودعين بلغت نحو 5.6 مليارات دولار، 47% منها حققها مصرفان فقط، هما بنك عوده وسوسيتيه جنرال، فيما غنِم بعض كبار المودعين نحو 738 مليون دولار من هذه الأرباح.
وكشفت ميزانية أكبر 14 مصرفاً التي تستحوذ على أكثر من 85% من أصول القطاع المصرفي اللبناني أنَّ أصول هذه المجموعة ازدادت عام 2016، نتيجة الهندسة، بقيمة 13 مليار دولار، وازدادت أموالها الخاصة بنحو 1.9 مليار دولار، وأطفأت خسائر معظمها محقق في الخارج بقيمة 1.3 مليار دولار، وخصّصت مؤونات إجمالية بقيمة 800 مليون دولار، وفتحت 22 فرعاً جديداً في لبنان، وأقفلت 69 فرعاً خارج لبنان لتقليص الخسائر التشغيلية من العمليات الخارجية… وحققت إيرادات إجمالية بقيمة 6.691 مليار دولار، بزيادة 1.5 مليار دولار عن عام 2015، وصرّحت عن أرباح صافية (بعد اقتطاع الضريبة) بقيمة 2.26 مليار دولار، بزيادة 12% عن العام السابق.
• نُظّمت هندسات خاصة ببنك البحر الأبيض المتوسط قبل أن يُفتح الباب رسمياً، بين 2013 والنصف الأول من عام 2016، ضمنت له أرباحاً بـ575 مليون دولار.
من ملف : «دولة الإعاشة» لا «جمهورية الكراتين»