IMLebanon

إنقلاب على اللبنانيين أم انتفاضة شعبية؟

 

بعد مرور سنة ونصف السنة على اندلاع انتفاضة اللبنانيين ضد سلطة الهدر والفساد، والنتائج التي وصلنا اليها، والواقع الذي نعيشها، يصحّ طرح السؤال الصادم: هل ما جرى كان انتفاضة شعبية ضد قوى عاجزة وفاسدة تمسك بالنظام العام، أم أن السلطة المنكشفة امام الجمهور اللبناني والدولي قامت بانقلاب مُضاد، استبقت عبره احتمال قيام حركة شعبية واسعة تضعها في الزاوية وتجبرها على تقديم تنازلات؟

 

صحيح ان مؤشرات الانهيار المالي والاقتصادي كانت تتراكم عشية 17 تشرين الأول 2019. وكانت الأصوات ترتفع من هنا وهناك محذرةً من الأسوأ. وفي الوقت نفسه حذرت قوى سياسية من ان ازدواجية السلطة والهيمنة على قرارها وذهاب ميليشيات محلية بعيداً في شن حروبها الخارجية على امتداد المشرق العربي، وجلبها العداوة للبنان من اصدقائه التقليديين، ستعمّق المشاكل وستهدد مصالح لبنان واللبنانيين وتدفع البلاد نحو مصير أسود.

 

لم تكن الرؤى موحدة بين المحتجين في 17 تشرين. كان كل متظاهر يحمل برنامجاً خاصاً به. والتقت تلك البرامج على عنوان واحد: ضرورة الخلاص من الطاقم الحاكم، وجاء شعار ” كلن يعني كلن ” تتويجاً وتوحيداً لصرخات الشارع الذي لم يكن يتوقع سقوط الهيكل عليه في سرعة قياسية، ما سيجبره لاحقاً على الانصراف الى ترتيب أوضاعه في مواجهة البطالة والجوع، بعد ان تمت سرقة مدخراته وودائعه وتحويل راتبه الى كمية ورقية بخسة.

 

كان وضع اليد على الودائع والمدخرات ابرز اسلحة انقلاب السلطة على مواطنيها، تلاه انهيار العملة الوطنية ثم فقدان السلع او تعثر الحصول عليها. السلاح الثاني كان القمع والتهديد والقتل، وهو ما مارسته ميليشيات قوى السلطة في وقت مبكر بهدفين: الأول ارهاب الوف المواطنين الذين احتشدوا في الساحات مع عائلاتهم واطفالهم لمنعهم من تكرار احتجاجهم، والثاني إضفاء الطابع المذهبي والطائفي على تحرك الشارع، ما يجعل الكثيرين ينفضّون عنه.

 

السلاح الثالث يكمل مهمة الثاني، وخلاصته تحويل التظاهرات السلمية الحاشدة، الى صدام عنيف بين مجموعات، بعضها موجه ومندسّ لافتعال مشهد سيراه اللبنانيون بأسى على شاشات التلفزيون.

 

يصح اذاً طرح السؤال عن طبيعة ما جرى. ويصح القول من دون تشبث بالاستنتاج، ان السلطة الحاكمة بأجنحتها السياسية والميليشياوية والمالية قامت بانقلاب استباقي، حفظاً لمصالحها المتعددة والمتقاطعة. والدليل هو في ما جرى لاحقاً: تم تحويل مئات ملايين الدولارات الى الخارج، وتعززت سلطة الميليشيا على جمهورها، وازدادت محاولات ربط المواطن بزعيمه الطائفي عبر استغلال حاجاته الأولية، وتراجعت الهموم الوطنية الاصلاحية الكبرى الى حدود تأمين لقمة البقاء اليومية.

 

قامت السلطة بانقلابها لكنها لم تنجز صيغتها للحكم ولم تصدر بيانها الأول. وهنا يطرح سؤال آخر: هل قوى السلطة عاجزة فعلاً عن ايجاد صيغةٍ لتنظيم حكمها؟ ام انها لا تريد هذه الصيغة حتى إشعار آخر؟ ومن يتحكم بتوقيت هذا الإشعار الآخر؟