Site icon IMLebanon

“مخيّم” لبنان الكبير

 

لا جدوى من التوقعات ولا قيمة للخيارات حين تصبح السياسة إستمراراً للكوارث بوسائل أسوأ. وإذا كان “من النادر أن نحصل على الكارثة التي نتوقعها” حسب المؤرخ نيال فيرغوسون، فإن لبنان حصل على الكوارث التي توقعها اللبنانيون والأشقاء العرب والأصدقاء الدوليون: الإنهيار المالي والإقتصادي جاء أخطر مما توقعه الخبراء وصندوق النقد والبنك الدوليان. السطو على المال العام والخاص أفظع مما تتخيله المافيا نفسها. الإستعصاء السياسي في تأليف الحكومة أكبر مما تصوره المتشائمون. السعي بالقوة لتغيير هوية لبنان وتعريضه لخطر على الوجود علامات كانت مكتوبة على الجدار منذ سنوات. والإنفجار في مرفأ بيروت كان التحذير من وقوعه على مكاتب المسؤولين الكبار الذين لم يفعلوا شيئاً لنقل نيترات الأمونيوم المخزنة هناك منذ سنوات.

 

والكوارث، كما يقول فيرغوسون في كتابه الجديد “أقدار مشؤومة: سياسات إدارة الكوارث”، “ليست كوارث بمجرد وقوعها بل بعد التأثيرات التي تنشأ عنها وكيفية التعامل معها عندما تضرب المجتمعات وتزعزع إستقرارها”. فكيف إذا كانت الكوارث في لبنان من صنع المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة عليه؟ وكيف إذا كان تعميق الكوارث والأزمات أو أقله الإستلشاق ونفض اليد من المسؤولية هو السياسة في إدارة الكوارث؟ وما الفارق بين هذه السياسة وبين “إدارة التوحش” التي تحدث عنها أبو بكر ناجي في توصيف مرحلة ما قبل التمكين للتيارات الأصولية في السلطة؟

 

لا مجال لتزوير الواقع، مهما اندفعت التركيبة المتسلطة في التشاطر الذي لم يعد يغطي الجريمة والتفاهة والسفاهة والصغائر والأنانيات. فالبلد ينهار. الدولة هياكل فارغة. السلطة في إنحلال. وطموح كثيرين هو لأن يمارس مجلس الأمن مبدأ “مسؤولية الحماية” ويضع لبنان تحت “إنتداب دولي” يتولى إنقاذه. وها هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي خدعناه حين زار بيروت وأفشلنا مبادرته السياسية الإنقاذية، يتحدث عن العمل مع شركاء دوليين على “إنشاء آلية تمويل دولي” تضمن إستمرار الخدمات الأساسية للبنانيين. والبداية طبعاً مؤتمر دولي لدعم الجيش.

 

ذلك أن سياسة المسؤولين قادت، لا فقط الى إفقار اللبنانيين والعجز عن تقديم الخدمات لهم والتي لا مبرر للسلطة من دونها، بل أيضاً الى أن يصبحوا في حال المشردين واللاجئين في بلدهم. والصورة الواقعية للبلد اليوم هي أنه صار “مخيم” لبنان الكبير. ففي المخيمات تتولى الوكالات الدولية والجمعيات تقديم الخدمات للاجئين، حتى يعودوا الى بلدانهم. وفي “مخيم” لبنان الكبير تقوم الدول بتقديم الخدمات الى أن نتفق بمعجزة على تأليف “حكومة تقود الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية” وتشرف على إجراء إنتخابات نيابية ورئاسية، كما يأمل ماكرون والمجتمع الدولي.

 

يقول جيمس ماديسون: “إن الولايات المتحدة حكومة قوانين لا حكومة رجال”. لكن لبنان صار أسير اللاقوانين واللارجال.