تتراكم المشاكل وتتفاقم بوتيرة سريعة. ليس هناك من حلول جديّة في الأفق للكثير من تلك المشاكل التي إزدادت تعقيداً منذ سنوات، دون أن يسعى أولئك الذين يقبضون على السلطة وعلى القرار السياسي في البلد لمحاولة معالجتها، وها هي تقترب من نقطة اللاعودة.
لا ينقص اللبنانيين تصريحات من هنا أو هناك حول حالة الافلاس السياسي أو المالي التي يعيشونها، وهي من أصعب الحقبات التي شهدها لبنان، لا سيّما مع توالي التوصيفات الدوليّة لطبيعة هذه الأزمة المركبة والمعقدة. أساساً، إن السواد الأعظم من اللبنانيين باتوا يدركون حراجة الوضع المالي ودقته، ويتوقعون ألا يستعيدوا أموالهم التي احتجزت في المصارف وأنفقت عن غير وجه حق.
إن الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابيّة باتت قصيرة جداً، والتعويل على إمكانيّة تحقيق إختراقاتٍ كبرى فيها دونه صعوبات وعقبات كثيرة، وهي ذاتها العقبات التي حالت دون أن تتقدّم الحكومة في الملفات الكبرى وفي طليعتها معالجة قطاع الكهرباء المزمنة، والتي كبّدت الخزينة العامة ما يزيد على 40 مليار دولار ودون أن تتوفر الكهرباء!
إنّها العقليّة المريضة ذاتها التي عطلّت كل المشاريع الإصلاحيّة وربطت إتخاذ أي قرار بما يتوافق مع مصالحها الخاصة التي تعتبرها مدخلها وبوابتها لتوسيع قاعدتها الشعبيّة. إن الإستباحة المتزايدة لمؤسسات الدولة ومرافقها هي غير مسبوقة بكل المعايير. صحيح أن غالبيّة القوى السياسيّة تستغل وجودها في السلطة لتمرير تعيينات من هنا أو قرارات من هناك؛ ولكن تدجين الدولة بالكامل بلغ مراحل متقدمة بسبب الجوع العتيق لتلك القوى.
وإذا كان الاستغلال السياسي لبعض القوى لمختلف مرافق الدولة قد بات معروفاً ومكشوفاً؛ إلا أنّه يبقى أقل خطورة من إسترهان قرارات الدولة السياديّة والتخلي التام عن وظيفتها الأساسيّة في الدفاع والأمن وضبط الحدود وإغلاق المعابر الشرعيّة.
أتذكرون عشرات الإجتماعات الفولكلوريّة التي عُقدت في قصر بعبدا للمجلس الأعلى للدفاع الذي يتخذ قراراتٍ سريّة وأخرى علنيّة. وإذا كانت القرارات السريّة تتصل بالأمن القومي مثلاً، فثمّة قراراتٍ أخرى كانت معلنة وقد تكرّرت في العديد من الاجتماعات أي تلك المتصلة بإقفال المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة على الحدود اللبنانيّة-السوريّة.
كيف يسمح رئيس الجمهوريّة «القوي» أن يترأس إجتماعاً وزاريّاً-أمنيّاً موسعاً يتخذ قراراتٍ مختلفة بعضها حيوي لناحية ضبط الوضع الداخلي اللبناني ووقف التهريب ومن ثم يتغاضى عن التنفيذ؟ هل أن النظام السوري، لو أنه كان متضرراً من التهريب من لبنان، كان سيسمح بأن تبقى الأبواب «مشرّعة» بين البلدين؟ إنّه الرئيس القوي الذي لم ينجح بتحقيق إنجازٍ واحد طوال عهده الذي يوشك على الانتهاء، على مشارف إنسحاق اللبنانيين جميعاً بسبب سياساته ومصالحه ودوره.
العهد إيّاه، الذي لم يخجل بعلاقاته مع النظام السوري، لم يستحصل منه على أي خطوة يمكن للبنان أن يستفيد منها. لم يتم ترسيم الحدود اللبنانيّة-السوريّة، ولم يتم إثبات لبنانيّة مزارع شبعا، كما لم يتم ضبط التهريب كما سبق وذكرنا، وفوق كل ذلك، لا يزال ذاك «السفير فوق العادة» يساهم في تركيب اللوائح، ويبتسم أمام عدسات الكاميرات عندما يتصوّر مع أزلام نظامه.
غريب أمر بعض صغار اللبنانيين! بعضهم يجاهرون بعمالتهم لإسرائيل وكادت مرجعياتهم أن ترشحهم للانتخابات النيابيّة، والبعض الآخر يفاخرون بنذالتهم ويلتقطون صور لوائحهم في دارة السفير السوري. إذا كانت ثمّة فرصة للتخلص من الوصاية السوريّة، لماذا يصر البعض على إعادتها؟ ألهذه الدرجة يرغبون بتطبيق سياسة الإستقواء بالخارج؟
فعلاً، من وُلد ليزحف لا يستطيع أن يطير.