لا نزال نسمع ونقرأ، عن خطط واستراتيجيات كأننا لم نتعلم ولم نستوعب، بأن مشكلتنا الأساسية في لبنان ليست متعلقة بالخطط ولا بالمشاريع التي تملأ «الجوارير» في كل المنصّات، لكن مشكلتنا الأساسية تتعلّق باتخاذ القرارات ومن ثم تنفيذها والأهم ملاحقتها.
كي نُبرهن هذا الخلل المزمن، سنُركّز في هذا المقال على ثلاثة قرارات، ومضامير الحواجز التي مرّت بها.
القرار الأول والكارثي للبنان المتخذ في آذار 2020، كان القرار الحكومي للتعثّر المالي، وعدم احترام الإستحقاقات المالية، والذي كان الإفلاس المبطّن، أما المشكلة الأساسية فكانت تكمن ما بعد القرار. بعد اتخاذ هذا الموقف الكارثي، لم تُقترح أي استراتيجية للتفاوض مع حاملي الأوروبوندز أو إعادة الهيكلية الداخلية المرجوة. فاتخذ القرار عشوائياً «دونكيشوتياً»، «نابوليونياً» من دون أي تنفيذ أو ملاحقة. وسندفع ثمنه في الأجيال المقبلة.
أما القرار الثاني فكان التصويت على موازنة 2022، هذه الموازنة الكارثية أيضاً والتي حتى الساعة لم تُنشر في الجريدة الرسمية، في ظل الفوضى العارمة والفساد المستشري. فهذا الغموض وعدم التنفيذ الجدّي، يفتح الأبواب للمهرّبين والأيادي السود، والفاسدين للتنفيذ كما يشاؤون، والإستفادات الفادحة لجيوبهم على ظهر المواطن والدولة.
أما القرار الثالث الذي رحَّب به معظم اللبنانيين، فكان الإتفاق أو التفاهم على الحدود البحرية الجنوبية، فبعد التصفيق والتهاني، علينا بدء التنقيب وتحضير البلاد للإستعمال الداخلي، قبل التصدير. وحتى عملية التصدير تتحضّر من اليوم بإتفاقات إقليمية، لا بل دولية للتشابك بالأنابيب الموجودة أو حتى لتحويل المعامل لإنتاج الكهرباء من الفيول إلى الغاز، وتحويل الغاز إلى سائل للتصدير والإستفادة.
لن ننسى ولن نتناسى أيضاً، القرارات والقوانين المعلّقة حتى اليوم، مثل «الكابيتال كونترول» المتأخر ثلاث سنوات، بعدما تبخر «الكابيتال» وانهار «الكونترول»، وأيضاً مشروع البطاقة التمويلية التي كانت مموّلة من البنك الدولي، وحتى الساعة لم يُتخذ القرار لتنفيذها للخلاف الداخلي على منصات المراقبة.
أما قرار التدقيق الجنائي، فالمدقق والمطالب بهذا المشروع هو الجاني الحقيقي، ولا نزال في الحلقة نفسها، شعارات شعبوية، وإستراتيجيات وخطط بلا تنفيذ جدّي، ولا حتى نية صادقة وعملية لتجسيدها.
وهكذا، كل القرارات، عليها أن تمر بمضمار حواجز، والحاجز الأول هو الإتفاق السياسي بالإجماع، ومن ثم عليه أن يتخطّى مرحلة الإتفاق الطائفي والمذهبي بالإجماع أيضاً. ومن ثم المسرحية التشريعية والتنفيذية. فبعدما مرّت سنوات بل عقود يُمكن أن نصل إلى قرار، لكن ماذا عن التنفيذ. وهنا المرحلة الجديدة والفخ، لأن التنفيذ يكون كارثياً وعشوائياً، من دون إدارة ولا ملاحقة، أو محاسبة، أما في موضوع الملاحقة فلا نجد أحداً إلا الفاسدين والأيادي السود، ليستفيدوا أو يستفيد مَن يحميهم.
في الخلاصة، هذه هي الطريق الشائكة التي يمرُّ فيها كل قرار في لبنان، أو خطة أو إستراتيجية تبقى حبراً على ورق، فيبدأ الصراع بإتخاذ القرار ويتتابع حتى تنفيذه، من دون أي حوكمة وشفافية، لكن العنوان الأساسي هو الفساد والإستفادة.