ينتظر بعض اللبنانيين الأيادي الدولية للتدخّل المباشر وحل مشاكلنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمالية والنقدية، لأنهم اعتادوا عبر العقود الأخيرة، على واقع أنّ فك العقد يأتي من الخارج وليس من الداخل.
علينا أن نُدرك أن العالم قد تغيّر، كذلك حكّامه واستراتيجياتهم، وأولوياتهم وطريقة إدارتهم وأيضاً أجنداتهم. أما في لبنان فم يتغير شيء، ولا حكامنا ولا إداراتهم الفاسدة والسيئة، ولا أولوياتهم الغامضة، ولا وعودهم الوهمية، ولا تشنجاتهم التدميرية.
إن أولويات دول العالم اليوم، تركّز على إعادة هيكلتها الداخلية، من بعد مواجهة وباء «كوفيد-19» وإعادة بناء اقتصاداتها والإتفاقات التجارية، وإعادة نموها الداخلي.
إن أولوياتها الثانية هي الحد من التضخم الجامح، والذي سيصل إلى التضخم المفرط والذي يُسمّى بالـ Hyperinflation، المتزامن مع الإنكماش والركود، والذي سيصل إلى Stagflation، فدول العالم تواجه زيادة خانقة في أسعار صناعتها ومنتجاتها الأولية، والإنحدار بالإستهلاك.
أما الأولوية الثالثة والأهم فهي مواكبة الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي مرت الذكرى السنوية الأولى على اندلاعها، والتي زعزعت استقرار أوروبا والعالم، ودفعت كل الأسعار النفطية والغازية وحتى المواد الزراعية، وتحولت إلى حرب عالمية ثالثة، باردة مع تدخلات عظمى.
إن تداعيات هذا الخلاف الدولي، يؤثر مباشرة على أكثرية الدول ونلاحظ تدخلاً كبيراً أميركياً – صينياً وطبعاً أوروبياً في أرض هذه المعركة الشرسة.
أما الأولوية الجديدة فهي المساعدات الإنسانية لسوريا وتركيا من بعد «زلزال القرن»، الذي خلّف دماراً كبيراً بالأرواح والممتلكات.
فمن ينتظر في لبنان أو يَعِد نفسه بأنه ستعقد مؤتمرات إستثمارية ومالية لمساعدة لبنان مثل الماضي، فهو واهِم لأن هذا البلد لم يعد، ليس فقط في سلم الأولويات، لكن أيضاً في الأجندات الدولية.
ومَن يعتقد أن دول العالم ستنتخب لنا رئيساً للجمهورية وحكومة فاعلة وخطة إنقاذ إقتصادية وإجتماعية هو واهم أيضاً، لأننا لم نعد تحت الأضواء والهموم بعدما أهدرَ السياسيون كل المساعدات السابقة وأفسدوها، بينما بنوا منها قصوراً لهم ودمّروا بيوت شعبهم.
فلبنان واللبنانيون الذين يواجهون أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، وخسروا 90% من مداخيلهم، وودائعهم ونسبة عيشهم، ونجوا من أكبر ثالث انفجار في تاريخ العالم، ها هم متروكون لوحدهم لمواجهة إدارة المافيات والإقتصاد الأسود وهم أسرى التهريب والترويج وتمويل الإرهاب، وينظرون عاجزين إلى انهيار عملتهم المتجهة نحو آفاق مجهولة ومخيفة.
العالم من حولنا قد تعب من سياسيينا وإدارتهم الفاسدة وليس لهم عندئذ شبه ثقة ولن يستثمروا سنتاً واحداً لِمن أهدروا مئات المليارات. فالذي ينتظر التدخل الإقليمي والدولي واهِم وكاذب، وسينتظر سنوات عديدة وطويلة. لقد حان الوقت ليصبح لبنان أولوية اللبنانيين وقرار لبنان يُصنع في لبنان، وليس في الخارج، والذين سينتظرون الحل المستورد يكونون في الحقيقة يحفرون بالنفق الأسود ذاته المظلم. فالحل الوحيد هو بالإتفاق الداخلي والحل اللبناني، واستراتيجية إعادة البناء عوضاً عن استراتيجية الشلل والتدمير الذاتي.