Site icon IMLebanon

شقق فارغة والعصر الذهبيّ لمعارض السيّارات ولّى

 

الأزمات الاقتصاديّة تلاحق القطاعات… والبطالة تدخل المنازل

 

لم تتوقف تداعيات الازمات المعيشية والمالية التي تلاحق اللبنانيين منذ سنتين تقريباً في قوت يومهم، اجبرتهم على اعتماد نمط جديد من العيش يقوم على التقشف القسري، سقطت الكماليات بلا رجعة وغالبية الضروريات ومعها الرفاهية التي كانت ترافقهم، وحلت مكانها البطالة والفقر المدقع نتيجة تولدها باضطراد بشكل مختلف عن السابق، مضيفة المزيد من المعاناة.

 

وهذه الازمات المعيشية انعكست بوضوح على العادات والتقاليد والتصرفات وعلى الترابط العائلي، أدت الى خلافات زوجية وتوترات نفسية وضغوطات جسدية، الى جانب مشاكل لم يتم التوصل الى حلول مرضية لها حتى اليوم، منها قضية ايجار الشقق حيث بدأ الكثير من أصحابها طلب الشهرية بالدولار أو اقفالها حتى إشعار آخر، بعدما شعروا بأنهم غبنوا خلال دفع قيمة ايجارها بالدولار الاميركي على سعر الصرف الرسمي خلال السنتين الماضيتين.

 

ويؤكد سماسرة ووسطاء ان كثيراً من الشقق في صيدا باتت فارغة من قاطنيها ولكنها مقفلة، لان اصحابها قرروا بيعها، او لانهم رفعوا بدل ايجارها اضعافاً مضاعفة بالليرة اللبنانية او أصروا على تأجيرها بالدولار الاميركي مهما بلغ سعر صرفه في السوق السوداء، بينما المستأجرون لا قدرة لديهم على الدفع بالعملة الخضراء، وخاصة الموظفين واولئك الذين يعملون ويقبضون بالليرة اللبنانية ولا يتلقون اي مساعدة مالية من الخارج.

 

مشكلة ظلم فيها المالك والمستأجر معاً، ويقول الاربعيني ابو نبيل مستو لـ”نداء الوطن”: “أجبرت على ترك منزلي بعد انتهاء عقد الاستثمار مع المالك، طلب مني الدفع بالدولار الاميركي ولم استطع، بحثت عن منزل متواضع يأويني مع عائلتي المؤلفة من الزوجة وثلاثة أولاد ولم أجد بما يتلاءم مع قدراتي المادية، فعدت الى منزل والدي في التعمير موقتاً ريثما تتبدل الاوضاع”، غامزاً بنوع من التهكّم “في المفهوم اللبناني كل موقّت دائم، هل سيعود الدولار الى ما كان عليه؟ هل سترخص الشقق وبدل ايجارها؟ انه ضرب من الخيال، كل يوم أسوأ من سابقه، الله يعين الفقير المعتر الذي لا معين له في الخارج”.

 

خسارة المعارض

 

وتداعيات الازمة لم تقتصر على ايجار الشقق، بل انعكست مع طول أمدها على عمل بعض القطاعات التي كانت تعتبر حيوية وتدرّ الارباح الوفيرة. فعلى طول الاوتوستراد الشرقي تنتشر عشرات معارض السيارات على المسربين، بعضها اقفل، البعض الآخر لم يعد يستورد السيارات بانتظار بيع ما لديه، هبط سوقها ثم عاد وارتفع، والدفع بالدولار او ما يوازيه بالسوق السوداء، ومع ارتفاعه عجز المواطنون عن الشراء، باتوا “يحسبونها على الليبرة” مع الارتفاع الجنوني لسعر صفيحة البنزين، والحبل على الجرّار.

 

ويقول “ابو سليم” صاحب احد المعارض: “لقد ولى العصر الذهبي لهذا القطاع، اصبحنا ننتظر زبوناً ونعرض عليه كل السيارات مع بعض الحسومات، ولكن للاسف تراجع البيع 90% عن السابق، والسبب الازمة المالية والضائقة الاجتماعية، الناس باتت تفكر بتأمين قوت اليوم، ولم يعد اقتناء السيارة او ركوبها من الكماليات فقط بل اصبح نوعاً من الرفاهية الزائدة في هذه الايام، الخسائر كثيرة ولذلك البعض اقفل معرضه وحوّل الى مهنة أخرى كي يعتاش منها، او هاجر الى الخارج بعيداً من صخب المعاناة”.

 

والى جانب هؤلاء، استنكف الكثير من “الضمّانين” الذين يستثمرون البساتين لقطاف محصولها وبيعها على حسابهم في الاسواق وخاصة حسبة صيدا، عن الاستثمار هذا العام، بسبب غلاء كل شيء، من نقل الشاحنات والحافلات والبيك آب، الى أجرة العمال اليومية وكلفة تشغيل المولدات الكهربائية الخاصة لري المزروعات ارتباطاً بثمن المازوت وبالدولار وصولاً الى الاسمدة والمواد الزراعية، كل ذلك يجعل غلة المحصول في ارضه اقل من سعر الكلفة، رغم ارتفاع اسعار بعض الخضار والفواكه.

 

ويروي ابو فؤاد، انه اعتاد على “ضمان” بستان سنوياً ليكسب رزقه، ويوفر ما يحتاجه من فواكه، ويقول: “هذا العام لم افعل، لقد عرضت علي عشرات البساتين في منطقتي صيدا والزهراني واجريت حساباً سريعاً وتبين لي ان الموسم فيه خسارة كبيرة، قررت ان أقف متفرجاً على أمل ان يتحسن الحال وتستقر الاسعار، فبدل النقل غالٍ، والشرحة او الصندوق البلاستيكي اصبح سعره 13 الف ليرة، ونسبة الحسبة عشرة بالمئة، لا يبقى لي شيء يذكر، يذهب تعبي هدراً اذا لم أخسر ما وفرت من اموال طوال السنوات الماضية”.