IMLebanon

ماراتون “العجز” و”الفشل” مستمر؟!

 

ليس من السهل على أيّ كان برمجة الاهتمامات الحكومية ووضع جدول الأولويات المطروحة لأهل الحكم والحكومة، فالملفات المفتوحة باتت متشابكة الى درجة لم يعد من السهل الفصل بين ما هو مالي او سياسي وديبلوماسي، فلكل مسؤول اولوياته وهو يجهد لفرضها كأمر واقع. وهو ما اشار اليه مرجع عندما تحدث عن ثلاثية جديدة قائمة على السلطة والسلاح والقضاء. وعليه، كيف السبيل لشرح هذه المعادلة الجديدة؟

على هامش النقاشات المفتوحة في صالونات سياسية واكاديمية على جانب كبير من الاهمية طرحت سيناريوهات عدة لمقاربة ما يجري على الساحة اللبنانية، في محاولة لتوصيف الحالة التي يعيشها البلد التي دخلت مدار الانتخابات النيابية على أبواب سلسلة من الاستحقاقات الداخلية والاقليمية والدولية التي فرضتها مجموعة من التحركات الاستثنائية العاجلة التي لم تشهدها المنطقة من قبل. فالترددات التي عكسها الغزو الروسي لأوكرانيا الذي طاوَل بشظاياه الكرة الأرضية وشغل العالم كله، طاوَلت مباشرة المفاوضات الجارية في فيينا بشأن الملف النووي الايراني وادت الى تجميده بلا اي أفق مُعلَن عنه حتى اليوم. وهو ما اصاب ايضا التحضيرات التي أنجزتها بغداد بالتعاون مع اكثر من عاصمة عربية وخليجية من اجل عقد الجلسة الخامسة للمفاوضات بين المملكة العربية السعودية وإيران. وكل ذلك يجري في وقت انشغلت دول الشرق الاوسط وخصوصا العالم العربي بمجموعة القمم التي توزعت بين شرم الشيخ والنقب في خطوات متلاحقة لا سابق لها في تاريخ المنطقة ولا تقدير كاف لمخاطرها على بعض الدول الضعيفة في المنطقة.

 

أمام هذه الصورة «البانورامية» التي يشهدها العالم توقفت مراجع ديبلوماسية عند أداء أركان الحكم والحكومة في لبنان فلم تر حراكاً على قياس حجم المخاطر المحدقة بالبلاد على اكثر من مستوى، لمجرد استمرارهم في خوض المناكفات السياسية والقضائية والإدارية في مواجهة مجموعة الازمات المتشابكة والتي لم تؤد حتى الامس القريب سوى الى جلد اللبنانيين. والدليل واضح يُترجمه سعي كل منهم بمفرده الى تحقيق ما يمكن تحقيقه وفق برنامج اولويات يكرّس وجهات نظر متناقضة ومتضاربة بين السلطات الدستورية، والتي لا تلتقي على مجموعة صغيرة من الاولويات التي تقود اليها خريطة الطريق المؤدية الى التعافي والإنقاذ.

 

على هذه الخلفيات، توسعت القراءة الديبلوماسية في توصيفها لمظاهر الأزمة لتشير الى وجود اكثر من برنامج يعكس حجم الخلافات بين اهل الحكم، وهو ما ترجمته المشاريع المتناقضة لمواجهة الازمة النقدية والمالية التي ألقت بثقلها على مختلف القطاعات الحيوية والاجتماعية ولا سيما منها قطاعات الطاقة والمحروقات والادوية والقمح والإتصالات والنفايات التي زادت من تكلفة الحياة اليومية على أكبر شريحة من اللبنانيين بطريقة لم تعد تحتملها الى درجة عجزت فيها عن مواجهتها رفضاً واستنكاراً، فغابت التحركات الشعبية ومظاهر الرفض والاعتراض في الشارع الذي انتفض عندما حاولت الحكومة فرض «السانتات الست» على مخابرة «الواتس آب» ولم يُؤتِ حراكاً وقد دخل الجوع البيوت بلا استئذان.

 

وعليه، سألت هذه المصادر: هل يمكن لعاقل ان يستعرض المواقف المترددة والمتناقضة من المشاريع المطروحة على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية الاخرى المانحة من اجل مواجهة ازمة الطاقة واعادة تنظيم العلاقات بين مصرف لبنان المركزي والمصارف والمودعين بما عُرف بـ»قانون الكابيتال كونترول» الذي طرحت منه اربعة او خمسة مشاريع حتى اليوم من دون الوصول الى قانون يمكن تطبيقه لتنظيم العلاقات الواجب قيامها في مثل هذه الظروف الكارثية بين هذه المؤسسات والاطراف المعنية؟ فما هو مطلوب يقتصر على ضمان ابسط حقوق العيش والحفاظ على الحد الادنى من الدورة الاقتصادية والمالية في البلاد ومنع انقطاعها مع المؤسسات الوسيطة في العالم منعاً لعزل لبنان عن النظام المصرفي العالمي المعلّق بسبب ما آل إليه الوضع النقدي وتقنين العملات الاجنبية على شبكة محدودة من البنوك الوسيطة والمراسلة التي ما زالت تحتفط بـ»خيوط عنكبوتية» مع المصارف اللبنانية لا تحتمل أي اهتزاز إضافي.

 

وبدل الانشغال بمواجهة ما هو مطلوب لإنعاش الحوار المفتوح مع صندوق النقد الدولي وإعطاء الإشارة التي تطمئنه، أمعنَ اهل الحكم والحكومة بإعطاء المثل تلو الآخر لتأكيد عدم وجود سلطة لبنانية قادرة على إدارة الازمة والخروج من النفق المالي المظلم وأمعنت في تكبير الفجوة المالية الكبيرة في المالية العامة وموجودات مصرف لبنان الى درجة زادت من تعميقها مجموعة القرارات القضائية الاخيرة فزادت في الطين بلة. وبدل تقديم خطة الكهرباء التي يطالب بها البنك الدولي لتمويل أولى خطواته العملية لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية أمعنَ اهل الحكم والحكومة في مناكفاتهم وربطوا مصير الخطة الكاملة بمصير معمل سلعاتا للطاقة المقرر تنفيذه ربما بعد سنوات عدة، الى درجة حوّلوا فيها موفدي البنك الدولي الى وسطاء بين رئيس الحكومة وعدد من وزرائه عدا عن الجهات التي تدير الملف من مكان ما بعيدا من الإدارة الرسمية.

 

وكأنه لا يكفي ما قدمه اهل الحكم من نماذج توحي بالسباق بين العجز والفشل من إمكان طَي أي ملف وضع على لائحة القضايا الخلافية الطويلة، جاءت المواقف الاخيرة من روما والضاحية الجنوبية لتنسف ما تحقق من خطوات محدودة لإعادة ترتيب العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية مجدداً لتوحي أن الأولوية للبحث عما يؤدي الى رفع الحاصل الانتخابي في هذه الدائرة الانتخابية او تلك كما جاءت الإجراءات القضائية الاخيرة لتزيد من اجواء البلبلة، بحيث تعثرت بعض المصارف في تقديم الحد الادنى من خدماتها للمودعين عسكريين ومدنيين عدا عن المخاطر المقدّرة ان تواصلت هذه الإجراءات لتطاول حاكمية مصرف لبنان وما يمكن ان تؤدي الى محطات لا يتحملها القطاع المصرفي في ظل ما أصيب به من عَطب كبير طاولَ رؤوس اموال اصحاب المصارف، وهو يهدد بخروج بعضها من الاسواق المالية الداخلية قبل الخارجية ويقضي نهائياً على مدّخرات اللبنانيين المفقودة الى زمن لا يمكن لأحد التكهن به ليستعيدوا فُتاتاً منها أو يورثوها لأحفادهم من بعدهم.

 

وفي ختام هذه المقاربة، لا تخفي المراجع الديبلوماسية قلقها من نمو الخلافات بين اهل الحكم على خلفية قضايا مرشحة لتجديد التوتر بين اللبنانيين، سواء بين رؤساء السلطات الدستورية وما يرافقه من فرز حزبي وربما طائفي ومذهبي يذكّيه النزاع المفتوح بين الأحزاب والتيارات الحزبية والمجموعات التغييرية، على خلفية الاستعدادات لانتخابات نيابية تجري في أسوأ الظروف الاقتصادية والسياسية والإجتماعية الموضوعة في عُهدة سلطة غارقة في السباق بين مظاهر العجز والفشل على حد سواء وتتحكم فيها مظاهر الجشع الى السلطة بأيّ ثمن كان.