Site icon IMLebanon

بين “استعادة التوازن” والكارثة المقبلة

 

دخل لبنان النفق المجهول مع استعصاء الإفراج عن الحكومة التي تحوّل الخلاف حولها إلى مواجهة طائفية، ومع أخذ الاعتراض على ادعاء القضاء العدلي على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب و3 وزراء سابقين طابعاً طائفياً.

 

ليس في الأفق ما يدل إلى أين ستصل تلك المواجهات التي اختلط فيها السياسي والطائفي بالقضائي، ما أدى إلى إخضاع التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت المأسوية للصراع السياسي حول التوازنات داخل السلطة.

 

ولو لم يكن الفريق الرئاسي مصمماً منذ مدة على توجيه القضاء تحت عنوان محاربة الفساد ضد أفرقاء معينين، وهو لم يخفِ ذلك في بعض لقاءاته وبعض ممارساته، لما كان الاعتراض على الادعاء ضد دياب أخذ هذا المنحى الحاد، والذي تطور إلى صراع طائفي. وهذا جعل تأليف الحكومة المعقد أصلاً، أكثر تعقيداً.

 

باتت الصراعات على أنواعها، سواء في مسألة تأليف الحكومة، أو متابعة المسارات القضائية لعدد من الملفات، أو الخلافات على التعاطي مع إشكالات راهنة مثل قضية رفع الدعم أو ترشيده، تنتج معادلات جديدة، تجعل البلد في حال من الفوضى السياسية، قل نظيرها، وسط لعبة جهنمية تعيد نبش الوحش الطائفي.

 

وإن دل ذلك على شيء، فعلى أن المنظومة السياسية التي تدير البلد باتت غير قادرة على الاستجابة لجوانب الأزمة الاقتصادية المالية والسياسية، ومعالجتها. حال الاستقطاب السياسي تتصاعد من دون قدرة أي فريق على التحكم فيها. حتى الأقوياء في المنظومة باتوا غير قادرين على استخراج حلول أو معالجات آنية كي يلتقط البلد أنفاسه. “حزب الله” مثلاً بات عاجزاً، بين اضطراره لمراعاة حليفه المسيحي وحاجته لغطائه، وبين قلقه من المس بمكتسباته في إطار الصراع الإقليمي، والحاجة إلى الدعم الغربي لمعالجة الأزمة المالية.

 

الرئاسة العونية أقنعت نفسها بأنها تخوض معركة ضمان التوازن الإسلامي المسيحي في السلطة في مواجهة عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، ولا تفرج عن الحكومة لهذا السبب، في وقت يرى الفريق الآخر أن لا بد من استعادة التوازن السني المسيحي في السلطة، بعدما اختل لمصلحة الفريق الرئاسي المدعوم من الحزب، سواء في الموقف السياسي، أو داخل المؤسسات.

 

هل يأتي الخلاص من الخارج، بطاولة حوار وبرعاية دولية مثل الطائف أو الدوحة؟

 

لن يكون لبنان على جدول أولويات الاهتمام الدولي في المرحلة المقبلة، سواء بعد تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن مهماته في 20 كانون الثاني المقبل، أو قبله. وهو لن يكون في سلم أولويات الدول الأخرى إذا كان هناك بين الفرقاء اللبنانيين من يبني حساباته على هذا الأساس. ليس هناك على الطاولة غير المبادرة الفرنسية، ولا يتوقعن أحد غيرها. ولن تستطيع أي دولة تقديم أفضل منها. فهي قائمة بسبب اندفاع الرئيس إيمانويل ماكرون الذي ينظر شركاؤه في الأسرة الدولية إلى اهتمامه بلبنان على أنه استثنائي واستطاع إقناع سائر الدول بتأييد تحركه وتمكن من تعبئة إمكاناتها من أجل المساعدة بعد انفجار المرفأ الكارثي، ونظراً إلى أنه كرئيس لدولة مهمة على المسرح الدولي، وجه رسائل غير عادية وغير مألوفة إلى الحكام اللبنانيين وسائر الفرقاء، حين خاطبهم بالقول إنهم خانوا تعهداتهم، وأنهم يفشّلون الحلول، وحمّل عون المسؤولية.

 

من دون الاستجابة لماكرون الكارثة مقبلة حتماً.