أما وقد مرت الجلسة التشريعية على خير، وتمّ إقرار القوانين المالية المطلوبة دولياً، واتفاقات القروض والهبات المخصصة من قبل البنك الدولي للبنان، والتي يناهز مجموعها المليار دولار، لا بد من طرح السؤال التالي: ماذا ستكون النتائج الاقتصادية والمالية، وماذا ينتظرنا في الايام المقبلة؟
في البداية، لا بد من التوضيح ان الفارق كبير بين ما كسبه البلد جراء إقرار اتفاقات القروض والهبات من البنك الدولي، وما لم يخسره، بفضل اقرار القوانين المالية. في الحالة الاولى، ضَمِن البلد الحصول على قروض مدعومة، وممنوحة بشروط ميسّرة لتنفيذ مشاريع انمائية حيوية، كما هي حال مشروع جر المياه للاستخدام المنزلي في بيروت وقسم من جبل لبنان.
وليس صحيحاً أن البلد لا يحتاج الى زيادة دينه العام من خلال القروض. البلد يقترض لكي يستمر، وهذه حاجة لا يستطيع ان يوقفها حالياً. لكن الفارق هنا يرتبط بأمرين اساسيين: اولا اننا نقترض من البنك الدولي بفوائد ميسرة جدا بدلا من الاقتراض من الاسواق بفوائد مرتفعة وشروط تسديد أقصر.
الأمر الثاني والأهم، اننا نعرف ان القرض من البنك الدولي سوف يذهب الى المشروع الانمائي المحدد له ولن يضل هدفه على الطريق، ويُستخدم في أماكن اخرى حيث تقتطع مزاريب الهدر نسبة مئوية كبيرة منه. كما ان التنفيذ سيكون باشراف البنك الدولي، وبالتالي نضمن حسن التنفيذ، وتجنّب السرقات والسمسرات.
في ملف القوانين المالية، ذهب البعض بعيداً في أوهامه الى حد القول ان الاقتصاد سوف يشهد نهضة عقب اقرار هذه القوانين. هذا الكلام فيه قدرٌ كبير من المبالغة وربما الجهل. ما فعلناه على هذا الصعيد، اننا نجحنا في عدم خسارة ما نحن فيه، اي اننا تحاشينا الوصول الى مرحلة يفرض فيها علينا المجتمع الدولي عزلة مالية تؤدّي حتما الى انهيارنا السريع.
وهكذا نكون قد تحاشينا خسائر كارثية كانت تنتظرنا، وحافظنا على وضعنا كما هو. لكن المشكلة ان وضعنا كما هو شبه كارثي، وبالتالي، لم نكسب شيئا من اقرار القوانين، سوى البقاء حيث نحن.
هذا اللغط في فهم نتائج اقرار القوانين المالية يذكّر باللغط الذي يقع فيه الجميع عندما يتحدثون عن قطاع الكهرباء. وفي العادة نسمع يومياً من يسأل كيف يمكن أن نستمر في دفع حوالي الملياري دولار سنويا من الخزينة لسد عجز الكهرباء، فيما ان مشروع نفض القطاع، وتأمين الكهرباء 24 على 24، لا يكلّف أكثر من مليار و200 مليون دولار. وقد دفعنا من الخزينة حتى الان اكثر من 20 مليار دولار لسد العجز الكهربائي السنوي، منذ انتهاء الحروب في لبنان في العام 1990.
لكن ما يغفل عنه هؤلاء ان السؤال مشروعٌ لجهة كيف تقبل الدولة ان تُبقي الناس بلا كهرباء، ما دامت كلفة الـ24 ساعة هي فقط حوالي المليار و200 مليون دولار. أما الربط بين توفير الاموال، وبين تأمين الكهرباء فهو دمج في غير محله، اذ لا علاقة بين الأمرين. ذلك ان الاموال التي تدفعها الخزينة سنويا للكهرباء، ترتبط بتغطية العجز بين كلفة الانتاج وسعر البيع، بالاضافة الى الهدر الفني والسرقة طبعا.
لكن المفارقة أن تأمين الكهرباء 24 ساعة سوف يرفع من حجم العجز، وبدلا من ملياري دولار، كانت الخزينة ستدفع 3 أو 4 مليارات دولار سنويا، عندما كان معدل سعر برميل النفط حوالي المائة دولار.
وحتى اليوم، ومع احتساب سعر 45 دولارا للبرميل، فان توفير الكهرباء 24 ساعة سيفرض زيادة العجز المالي في المؤسسة. وبانتظار حصول معجزة الـ24 ساعة لا بد من الاتفاق مسبقاً على الحل.
في النتيجة، لا شك أن مجرد انعقاد الجلسة التشريعية النيابية، وفي اجواء مقبولة من حيث التوافق، ساهم في اشاعة اجواء من التفاؤل والاسترخاء في الاسواق المالية، لكن هذه الشحنة التفاؤلية لا يمكن ترجمتها في جذب استثمارات، او تغيير معادلات مالية، او تحسين وضع القطاعات الانتاجية، أو إعادة الروح الى القطاع السياحي.
ولا شك في أن الانفجار الاجرامي الذي هزّ برج البراجنة، قضى على الزخم المعنوي البسيط الذي وفرته الجلسة النيابية. ومن يبحث عن تحسين الاقتصاد، وليس مجرد تجنيبه كارثة كان سيقع فيها، عليه أن يعمل اكثر من مجرد اقرار قوانين كان يُفترض أن تُقر منذ 4 سنوات، ومن دون هذا الضجيج وهذه الأزمة.