IMLebanon

من يقفل “بوابات جهنم” المتعددة المسارات؟

 

منذ الساعات الاولى للسنة الجديدة تنبّأ كثير من المراقبين بمزيد من التطورات السلبية. فالفشل في معالجة الملفات الخلافية توسع الى الحد الاقصى، وتسببت الخلافات بالعجز عن احياء العمل الحكومي وتأمين المخارج لمجموعة من الأزمات التي تناسلت نتيجة الانهيارات المالية، وهو ما ادى الى رفع الصوت بحثاً عن القادر على إقفال «بوابات جهنم» على هذه المسارات كافة؟

 

ليس أدلّ من حجم الانهيار الذي تسجله الليرة اللبنانية قياسا على العملة الخضراء بين يوم وآخر وربما بين ساعة واخرى على خطورة المرحلة وتداعياتها على الصعد المختلفة، فهي تحولت تلقائياً أخطر الأسباب التي فاقمت الأزمات التي يعانيها اللبنانيون نتيجة القصور في تأمين أبسط مقومات العيش والخدمات العامة التي توفّرها المؤسسات الحكومية وتلك التي نشأت مكانها في قطاعات حيوية مختلفة بكلفة مقبولة طالما انها لم تدفع قيد انملة الى اي تغيير في استراتيجيات المنظومة السياسية التي تمتلك الحل والربط.

 

وعلى رغم من فهم المسؤولين الكبار العميق لحجم التعقيدات وخطورتها على مختلف وجوه الحياة نتيجة التقارير الخطيرة المرفوعة امامهم بصنوفها المتعددة الامنية والسياسية والحكومية والصحية والقضائية عدا عن النقدية منها وما يمس علاقات لبنان الدولية، فقد استمروا في سياسة المناكفات ونصب الافخاخ المتبادلة حيث تمكن اي منهم. ولذلك تعقدت الامور وعمّ الشلل والإنحلال في كثير من المؤسسات الرسمية والخاصة ولم يعد في الامكان وضع تصنيف دقيق لأخطرها أو جدول بالأولويات التي يمكن البدء بحلها توطئة للانتقال الى أخرى تمهيدا لتفكيكها واحدة بعد أخرى.

 

وقياسا على حجم التبريرات التي يعطيها المسؤولون لاندفاعتهم في المواجهة المفتوحة بين بعضهم البعض، لم يقتنع اي من المراجع الديبلوماسية بصوابية موقف أي منهم. لا بل فهي حذرت وما زالت من خطورة المضي في هذا الأسلوب الذي يعطل العمل في المؤسسات الدستورية والحكومية ويزيد من تدمير تلك التي عليها توفير الخدمات العامة، مع التحذير من المخاطر المترتبة على استمرار الانهيارات المتمادية مخافة الوصول الى مرحلة يصعب فيها احياء اي منها او ترميمه.

 

وعلى هذه الخلفيات، بدأت بوادر حملة ديبلوماسية بالظهور بعد عودة عدد من سفراء مجموعة الدول الصديقة للبنان من بلادهم إثر انتهاء عطلتي الميلاد ورأس السنة، وذلك من أجل توجيه مزيد من الرسائل التحذيرية الى المسؤولين اللبنانيين من مخاطر الازمات التي يساهمون في تعميقها عن قصد او غير قصد تحت شعارات مجّها اللبنانيون ومعهم العالم كله. فالحرب على الصلاحيات في الفترة الاخيرة والدفاع عن مدى هذه وتلك لا تفسير دستوريا ولا قانوينا لها. فالجميع حريص في الشكل على صلاحياته ويدعي عدم خرقها في الظاهر، انما يسيء في استخدامها الى درجة التعسف احيانا، بغية فرض امر واقع يعزز موقع هذه المرجعية او تلك للاستثمار فيها في مجالات أخرى.

 

ومن هذه الزاوية بالذات، حمل ديبلوماسي غربي في الأيام القليلة الماضية الى اكثر من مرجعية تفسيرات دقيقة للدستور وما نصت عليه الانظمة الداخلية للمؤسسات بما يعري المدافعين عن صلاحياتهم. وعندما توسع في شروحاته انتهى حامل الرسالة الى القول بلغة ديبلوماسية ما معناه: «انتم تريدون التوجه الى اصحاب العقول أم إلى جماهيركم التي تعطّلَ لديها جزء كبير من العقل والمنطق؟». مُنبّهاً الى خطورة «الاستمرار في بقاء هذه الجماهير اسيرة رواياتكم التي تحمل في مطاويها كثيرا من السيناريوهات غير الواقعية وتلك التي تتعمّد المغالاة في اخفاء الحقائق والابتعاد عن الشفافية في ممارسة الحكم بما يضمن المصلحة العامة».

 

وبحسب ما تتوقعه مصادر ديبلوماسية وسياسية فإن الأسلوب المتقدم الذي استخدمه الديبلوماسي لتصويب الأداء بدأ يترجم على اكثر من مستوى، فمعظم المشاريع المعدة لمساعدة اللبنانيين في مواجهة الوضع الراهن باتت مهددة بالتأجيل إلى أمد غير محدد. عدا عن حتمية توقّف البعض منها بعدما بلغت التحضيرات لها مراحل متقدمة. ومردّ ذلك الى أكثر من سبب لا يتصل بمظاهر النزاع الدولي على الساحة اللبنانية بمقدار ما يتصل بالأخطاء الجسيمة التي ترتكب في الداخل. فالتقصير في تأمين البيئة الضامنة لإحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي جعلتها تترنح بين موعد وآخر، كما أعاقت انطلاقة عمل شركة «الفاريس آند مارسال» في المباشرة بعملها للتدقيق الجنائي في مصرف لبنان بعدما عبرت المهل القانونية الثمينة التي كانت أمامها من دون ان تنطلق ورشة العمل فيها. هذا بالإضافة الى ما حال حتى اليوم دون الاستفادة من الطاقة الكهربائية المستوردة من الأردن وتجميد العمل على مسار استجرار الغاز المصري بعدما تعثرت الخطوات اللازمة لترميم الخط الممتد من الاراضي السورية الى معمل دير عمار لأسباب تتصل بعدم صرف الاموال اللازمة نتيجة تجميد العمل الحكومي.

 

والى هذه المظاهر السلبية، لا يمكن التنكر الى المخاطر المحدقة بالتحضيرات الجارية للانتخابات النيابية ما يوحي بوجود من لا يريدها في توقيتها بعدما فرضت عليه معادلات لا تصب في مصلحته كمثل تلك التي قالت بها آلية انتخاب المنتشرين في العالم والإجراءات الأخرى غير الضامنة لنزاهتها وشفافيتها، ما لم تعوضه التحالفات التي يطالب بها خارج اي منطق سياسي. وهو ما سيقود حتما بعض الجهات القادرة على تعطيل اي خطوة يمكن ان تزيد من عزلتها الخارجية والداخلية أيّاً كان الثمن.

 

والأخطر في ما يواجهه اللبنانيون ان كل ذلك يجري في أسوأ مرحلة عصيبة يمر بها البلد حيث من الصعب ان تأتي أي انتخابات بالتمثيل الحقيقي لفئات واسعة دفعت أثمانا باهظة نتيجة خياراتها السابقة، وهي تخشى اليوم إحياء العصبية المذهبية المفرطة ولا ترغب بالعودة اليها مخافة ان تأتي بأسوأ مما هي عليه اليوم من حال بؤس ويأس دفعت بكثير منهم الى الشعور بالذل والسعي الى الهجرة او القبول بالحد الادنى من مقومات بقائها على قيد الحياة.

 

وانطلاقاً من هذه المعطيات كافة وما تعبّر عنه من قلق على الحاضر والمستقبل، يبقى من المعيب ان ينتظر اللبنانيون مبادرة خارجية قد لا تأتي في وقت قريب لتنهي مأساتهم وتضع حدا لفقدان الحس بالمسؤولية لقاء منافع آنية ومؤقتة تقفل كل الطرق الى «بوابات جهنم» المتعددة المسارات، خصوصاً انّ فُقِد القبطان القادر على إخراج البلاد من مآزقها الحتمية قبل الاستسلام للسيناريوهات المظلمة التي بشّر بها المنجمون وقرّاء الكف والفنجان.