من يراقب حركة تطوّر الدين العام، والرقم الذي سيبلغه مع نهاية العام 2016، يدرك لماذا هبط الوحي الرئاسي فجاة، ورُفعت الفيتوات وتمّ الدفع في اتجاه انهاء الشغور الرئاسي بعد مرور حوالى السنتين ونصف السنة على مغادرة الرئيس السابق القصر الجمهوري.
تُظهر إحصاءات جمعيّة المصارف في لبنان، ان الدين العامّ الإجمالي وصل في شهر ايلول الماضي الى ٧٤٫٧٣ مليار دولار، بزيادة حوالى ٦٧٧٫٩٤ مليون دولار خلال أيلول وحده، وبزيادة سنوية بلغت حوالى 6 مليار دولار مقارنةً بالمستوى الذي كان عليه في أيلول ٢٠١٥، والبالغ حينها ٦٨٫٧٣ مليار دولار.
ماذا تعني هذه الزيادة، وهل ان المناخ السياسي الايجابي الذي يسود حاليا في أعقاب انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، يكفي لكي يتم تحاشي الكارثة التي كانت واضحة المعالم بالنسبة الى مُتتبّعي الوضع المالي، ومُلتبسة بعض الشيء على المواطن الذي لم يكن دائما على اطلاع يومي، وفي العمق، على المستوى الذي بلغه الخطر المالي والاقتصادي.
ستة مليارات دولار زيادة في الدين العام في سنة واحدة، وهو رقم قياسي جديد يبدو مخيفاً.
وبلغة الأرقام، فان خدمة الدين العام زادت في سنة واحدة في حدود الـ400 مليون دولار (600 مليار ليرة). اما مجموع خدمة الدين العام في نهاية العام 2016، فسوف يرتفع الى حوالي خمسة مليارات دولار سنويا. (حوالى 7500 مليار ل.ل).
هذا الرقم يشكل نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي، وهو رقم غير مقبول في بلد يبلغ حجم الانفاق السنوي فيه حوالي 14 مليار دولار. واذا اعتبرنا ان أي موازنة جديدة ينبغي ان تأخذ في الاعتبار عدم زيادة الانفاق، فهذا يعني ان اللبنانيين سيدفعون حوالي 38 في المئة من مجموع الانفاق فوائد لخدمة الدين العام.
والأدهى، ان زيادة حوالي 400 مليون دولار في كلفة خدمة الدين، مقابل عدم زيادة الانفاق، ستعني انه ينبغي تقليص الانفاق بالنسبة نفسها اذا شئنا على الاقل الابقاء على نسبة العجز كما هي.
والمعضلة الاخرى في هذه المعادلة ان بند الاجور سوف يستهلك بدوره حوالي 37 في المئة من الانفاق العام. واذا اعتبرنا ان بندي الفوائد والاجور يستهلكان 75 في المئة من الانفاق، فلن يبقى سوى الربع لتقسيمه على الكلفة التشغيلية، والانفاق الاستثماري…
هذا الشرح قد يفسّر لمن لا يزال يتساءل لماذا قرّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ابتكار هندسات مالية هدفها اعطاء جرعة من الاوكسجين لمساعدة البلد على الصمود مالياً، بانتظار ظروف أفضل تتيح وقف التدهور.
اليوم، وفي حال سارت الاوضاع السياسية في الاتجاه الصحيح، وتحقق مزيد من الاستقرار، فان مهمة انقاذ المالية العامة لن تكون سهلة، ولكنها ستكون مُتاحة من خلال عملية تراكمية تستغرق سنوات عدة. وهذا يتطلب بطبيعة الحال، وضع خطة لفترة محددة، قد تكون ثلاثية او خمسية او حتى عشرية، بالنسبة الى بعض النقاط الاستراتيجية.
وينبغي العمل مجددا على إعادة حجم الدين العام نسبة الى الناتج المحلي الى مستويات صِحيّة اقتصادياً، عبر إنماء الناتج المحلي بنسب مرتفعة، من خلال اعادة العلاقات الى حرارتها مع دول الخليج العربي، ومن خلال جذب الاستثمارات اللبنانية الاغترابية، والاستثمارات الاجنبية والمحلية التي توقفت تقريبا بدورها في الفترة الأخيرة.
هذه الانجازات لن تتحقق دفعة واحدة وبمجرد وجود رئيس في بعبدا، لكن الانطباع العام الايجابي السائد حاليا، يصلح ليكون نقطة انطلاق يستطيع العهد ان يستفيد منها لتحقيق انجاز مالي واقتصادي لم يعد مجرد مطلب بل ضرورة حيوية، للبقاء.