Site icon IMLebanon

الإصلاح المالي… “كذبة كبيرة”

 

 

من المتوقع أن تشهد موازنة العام 2020 تراجع الإيرادات بنسبة 70%

تتسابق خطة خفض العجز في موازنة العام 2019 إلى حدود 6.7 في المئة مع أرقام المالية العامة. ففي الوقت الذي لم تُسجّل فيه النفقات أي تغيير يُذكر، تشهد الإيرادات تراجعاً منذ بداية العام الماضي بشكل عام، وفي الفصل الأخير بشكل خاص. وهو ما كان متوقعاً من قِبل الإقتصاديين، الذين حذّروا مراراً من أن زيادة الضرائب والرسوم في إقتصاد منكمش تكون نتائجها عكسية.

وزارة المال أصدرت “ملخّص الوضع المالي” لشهر تشرين الأول من العام الماضي، حيث حافظت النفقات على رقم مرتفع بلغ 1.885.056 مليون ليرة، في حين استمرت الإيرادات في التراجع محقّقة 1.253.225 مليون ليرة.

 

في الوقت الذي سجّلت فيه الإيرادات في شهر تشرين الأول من العام 2018 مبلغ 1.822.774 لم يتجاوز هذا المبلغ في الفترة نفسها من العام الماضي 1.253.225، ليبلغ مجمل التراجع منذ بداية العام حوالى 440.720 مليون ليرة أو ما تُقدّر نسبته بـ 3.17- في المئة للفترة نفسها من العام 2018.

 

الـ TVA تتراجع

 

تراجُع الإيرادات من الضريبة على القيمة المضافة في تشرين الاول من العام 2019 الى 204.246 مليون ليرة بعدما حقّقت في العام 2018 مبلغ 598.737 مليوناً، كان السبب الرئيسي في هذا التراجع الدراماتيكي في سلّة الإيرادات. أما على مستوى الأشهر العشرة الأولى من العام 2019 فقد تراجعت عوائد الـ TVA بحدود 667.089- مليون ليرة أو ما نسبته 19.32- بالمقارنة مع أول عشرة أشهر من العام 2018.

 

“لطالما ردّدنا المقولة الفرنسية الشهيرة Trop d’impôt tue l’impôt أي الكثير من الضريبة يقتل الضريبة، من دون أن نلقى آذاناً صاغية. وهو ما يُترجم اليوم في الأرقام الواقعية الصادرة عن وزارة المالية”، يقول منسق المرصد اللبناني للفساد شارل سابا.

 

المحاصصة أقوى من الإصلاح

 

على الرغم من ظهور أرقام سنة “المقارنة 2018″، أفضل لجهة الإيرادات من العام 2019، إلا أنها بحسب الإقتصاديين تُعتبر “السنة المفصلية التي بدأ منها المسار الإنحداري للإقتصاد اللبناني. ففي ذاك العام بدأ مسلسل زيادة الضرائب والرسوم من أجل زيادة الإيرادات وتمويل سلسلة الرتب والرواتب بدلاً من إيجاد الطرق والوسائل لتعديل الموازنة وتخفيض العجز فيها، من خلال تقليل نفقات الدولة والحد من الهدر والفساد المستشري. إلا ان هذه العملية تناقض منافع الطبقة الحاكمة وتحد من سطوها على مقدرات البلد. فلجأوا إلى زيادة الضرائب وإرهاق الإقتصاد مع علمهم المسبق انها لن تكون ذات جدوى. إذ ان زيادة الضرائب في اقتصاد منهك عديم النمو ستدفع نحو زيادة التهرب الضريبي والتخلف عن السداد”.

 

التعمق أكثر في السياسة المالية للدولة اللبنانية يُظهر بوضوح أن الهدف لم يكن في يوم من الأيام تصحيحياً إنما هو تجميلي، يهدف إلى استرضاء المجتمع الدولي، وتحديداً الدول المقرضة في “سيدر”، وذلك من خلال زيادة ضريبة من هنا وتهريب دفعة من هناك، والإستمرار في سياسة قضم القطاع العام وتقاسمه من كل الجهات.

 

“وصفة” تخفيض العجز

 

المشكلة بحسب سابا هي ان “المجتمع الدولي أعطى لبنان وصفة” تخفيض العجز للحصول على الاموال، مع بعض التفاصيل. وهذه التفاصيل تختلف بين بعض الدول المانحة وفي مقدمها فرنسا وبين صندوق النقد الدولي. ففي الوقت الذي كان يشدد فيه المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقررات “سيدر” بيار دوكان على وقف التحويلات من الخزينة الى كهرباء لبنان، كان صندوق النقد الدولي ينادي في تقاريره بضرورة زيادة الضرائب على البنزين وتحرير سعر الصرف وزيادة الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة. في حين ان الجميع تجاهل تطبيق المدخل الحقيقي للإصلاح وتخفيف العجز، المتمثل في مكافحة التهرب الضريبي والجمركي ووقف الهدر والفساد في الكهرباء والاتصالات والمرفأ وخفض الكلفة التشغيلية للدولة اللبنانية، وتحديداً عبر تركيبة الرواتب والاجور وإعادة هيكلة عامة للدولة وإلغاء الوظائف الوهمية وصرف آلاف الوظائف التي خلقوها”. وبرأي سابا “لو ان هناك جدية ونية حسنة في مكافحة الهدر والفساد، لكنّا شهدنا متابعة لملف الموظفين الذين ادخلوا بشكل غير قانوني على الدولة قبل الانتخابات النيابية”.

 

وضوح الأرقام ودلالاتها الكثيرة لم تعنِ الكثير لمحضري ومتابعي موازنة العام 2020. فقد شكل اعلان لجنة المال والموازنة النيابية في جلستها الشهيرة في 21 تشرين الاول من العام 2019 صدمة للّبنانيين والعالم باعلانها “تصفير” العجز في موازنة 2020. ويلفت سابا إلى أن المشرعين يخطئون مرة جديدة في وضع أرقام وهمية للإيرادات وتنكرهم للاصلاح الحقيقي للدولة وبنية النفقات. فقد اعتمدوا بإلغاء العجز على خفض كلفة كتلة الدين العام، التي تقدّر بحوالى 35% من مجمل النفقات، من دون الرجوع أو التشاور مع المصارف وحاكم مصرف لبنان.

 

إن ملخّص الوضع المالي لشهر تشرين الأول سيكون “رحمة” أمام النتائج المالية التي سيظهرها شهرا تشرين الثاني وكانون الاول حيث من المتوقع ان تتراجع الايرادات بأكثر من 50 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2018. أما بالنسبة الى العام القادم فإن معظم الدلائل تشير الى اختفاء 70 في المئة من الايرادات بالمقارنة مع العام 2018.