IMLebanon

بعد خفض تصنيف لبنان وثلاثة مصارف، ما حقيقة تأزم الوضع المالي؟

 

هل أصبحت المساعدة الخارجية الزامية؟ وما هي آفاق الأزمة؟

 

بعض الأرقام الرسمية بدأت بالظهور إلى العلن مُنذرة بحجم الأزمة المالية (بالدرجة الأولى) والاقتصادية والنقدية. هذه الأرقام بدأت مع وزير المال علي حسن خليل الذي أعلن أن إيرادات الدولة إنخفضت 40% منذ بدء الإحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الأول. هذا التراجع أكدته مصادر للجمارك اللبنانية التي أعلنت أن إيرادات الجمارك تنخفض هذا الاسبوع 60% عن المعدّل العام حيث بلغ مجموع الإيرادات اليومية 9 مليار ليرة لبنانية فيما كانت تقارب الـ 23 مليار ليرة لبنانية قبل بدء الثورة. وهذا الأمر يعني أن العجز في الموازنة سيتخطّى بأشواط العجز المتوقّع في موازنة العام 2019. وهنا يُطرح السؤال عن كيفية سدّ هذا العجز وهل يُمكن للدوّلة اللبنانية تمويله من خلال إصدار سندات خزينة؟

 

الواقع المالي العام تعيس وهو ما تناولته كل التقارير والتصاريح الدولية بدءًا من وكالة بلومبرغ التي توقّعت أن يتجه لبنان إلى إعادة هيكلة ديونه المقدرة بـ 87 مليار دولار وبالتالي فإن المسألة هي مسألة وقت بالنسبة إلى عدد كبير من حاملي سندات الخزينة اللبنانية. من جهتها، قامت وكالة فيتش للتصنيف الإئتماني بتخفيض تصنيف لبنان من درجة «CCC» إلى درجة «CC» وهو ما يعكس بحسب الوكالة إرتفاع إحتمال هيكلة ديون الحكومة اللبنانية أو التخلّف عن سدادها جراء الغموض السياسي الحاد وتقييد حركة رؤوس الأموال وإهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي وهو ما سيُعوّق تدفق رؤوس الأموال التي هي أكثر من ضرورية لتمويل حاجة لبنان من العملة الصعبة.

 

الوضع المالي إنعكس على القطاع المصرفي مع تخفيض وكالة موديز التصنيف الإئتماني لثلاثة بنوك لبنانية هي بنك عودة، بلوم بنك، وبيبلوس بنك من «Caa1» إلى «Caa2» مُعلّلة هذا الأمر بإلإشارة السلبية التي فرضها تعميم مصرف لبنان والذي فرض دفع الفوائد على الودائع بالدولار الأميركي مناصفة بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي وهو ما إعتبرته الوكالة إرتفاعاً في مستويات المخاطر. وهذا الأمر يُعطي مصرف لبنان كامل الحق بعدم ذكر الفوائد على سندات الخزينة والتي كانت لتعتبرها الأسواق المالية إشارة سلبية لواقع المالية العامة وبالتالي لكانت هذ الإسواق خفّضت تصنيف لبنان الإئتماني أو أعلنت إعتبرته مُفلسًا. وخفّضت موديز أيضًا تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية من «Caa» الى «Caa3» مُعتبرة أن هناك محدودية للدعم السيادي لمثل هذه الودائع.

 

والأصعب في الأمر أن الوكالة ربطت القدرة الإئتمانية للدّولة اللبنانية بالقدرة الإئتمانية للمصارف الثلاثة نظرًا إلى التعرّض الكبير لهذه المصارف للديون السيادية والتي تُعتبر المصدر الأساسي للمخاطر على المصارف.

 

من جهته أعرب البنك الدولي عن إستعداده لتقديم الدعم الممكن للحكومة اللبنانية المنوي تشكيلها على أن تلتزم بالحوكمة الرشيدة وإيجاد فرص عمل للبنانيين. وشدد على ضرورة تشكيل هذه الحكومة في أسرع وقت نظرًا للمخاطر المالية المُتنامية.

 

كل هذه الضغوط دفعت أسعار سندات الخزينة بالعملة الصعبة (اليوروبوندز) إلى الإنخفاض وإلى إرتفاع كلفة عقود التأمين (CDS) على هذه السندات حيث وصلت إلى أعلى مستوياتها التاريخية مُنذرة بإرتفاع منسوب المخاطر إلى مستويات عالية جدًا!

 

في ظل هذا الوضع، هل يُمكن القول أن لبنان أصبح بحكم الإفلاس؟ وهل يتوجّب طلب المساعدة من الخارج للخروج من هذه الأزمة؟ قبل الإجابة على هذه الأسئلة، يتوجّب الذكر أن سندات اليوروبوندز إرتفعت في أسواق لندن أكثر من 2.5 سنت بعد الإتصال الذي أجراه الرئيس سعد الحريري بكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي طالبًا مُساعدة تقنية وهو ما إنعكس صداه إيجابيًا في الأسواق كخطوة أولى نحو الحلّ. والمُلفت في الأمر إتصال قام به الرئيس سعد الحريري بكلٍ من رئيس البنك الدولي ومديرة صندوق النقد الدولي مؤكدًا «إلتزامه إعداد خطّة إنقاذية عاجلة لمعالجة الأزمة» وهو ما يعني إلتزامه في حال تمّ تكليفه (وهو أغلب الظن ما سيحصل) بتنفيذ هذه الخطّة.

 

أرقام المالية العامة تُشير إلى حاجة الدولة إلى تمويل في العام 2020 بقيمة 8 مليار دولار تضم عجز العام 2019 من العملة الصعبة بالإضافة إلى إستحقاقات الدين العام في العام 2020. وهنا يُطرح السؤال عن كيفة تمويل هذا الرقم؟ فإصدار سندات خزينة هو أمر صعب خصوصًا أن الفائدة على هذه الإصدارات ستكون مُرتفعة نظرًا إلى تصنيف لبنان الإئتماني والذي أصبح في أسفل السلم. أيضًا لا يُمكن فرض ضرائب في هذه المرحلة الصعبة نظرًا إلى تداعياتها السلبية وعدم قدرتها على سدّ حاجة الدولة من الأموال. من هنا يأتي طرح البعض طلب مساعدة الخارج للخروج من هذه الأزمة.

 

طلب المساعدة من الخارج يحوي على 3 سيناريوهات: الأول المساعدة بشروط إقتصادية – مالية، والثاني بشروط سياسية، والثالث مزيج من الإثنين. حالة لبنان في حال طلب المساعدة هو مزيج من شروط إقتصادية – مالية وشروط سياسية سيفرضها المجتمع الدولي على لبنان في حال طلب المساعدة بشكل رسمي من المجتمع الدولي.

 

الواقع الذي يعيشه لبنان اليوم يُظهر أن الشروط السياسية هي إلزامية تحت طائلة الإنهيار المالي والمجاعة. أما في يخص الشروط الإقتصادية والمالية فهنا تظهر مُشكلة إعادة هيكلة الدين العام وتحرير صرف الليرة، وكليهما يُشكّل أزمة بالنسبة للمواطن اللبناني.

 

عمليًا لا حاجة لإعادة هيكلة الدين العام ولا لتحرير صرف الليرة اللبنانية ولا لإقتطاع من ودائع المودعين، بل هناك عدد من الإجراءات التي يجب أن تتخذ من قبل الحكومة للجم الهدر والفساد وإستخدام طرق علمية للـ«match» بين الإنفاق والإيرادات وإيجاد طرق لتمويل الفارق إن داخليًا (مصرف لبنان، ضرائب، محاربة الفساد،…) أو خارجيًا (قروض دولية، إصدار سندات…). والأهم في الأمر أن يكون هناك إجراءات بالتوازي مع هذا الأمر لكي يتم خلق إقتصاد منتج عبر دعم القطاعين الأولي والثانوي.

 

إن أي محاولة للقيام بإقتطاع من ودائع المودعين، تحرير صرف الليرة، أو إعادة هيكلة الدين العام، تدخل في نطاق الضربة القاضية على المواطن إذا لم يكن هناك من تقييم فعلي لموجودات الدولة والمُستحقات عليها وتقدير الحاجة الفعلية للأموال. كذلك نرى أن الترويج لإجراءات موجعة بحق المواطن اللبناني، تدخل في باب التواطؤ على لبنان ومواطنيه.