IMLebanon

متى ستصبح آلات “وسم الطابع المالي” إلزامية؟

 

مرة أخرى، تأخذ “أزمة فقدان شبه الكلي للطوابع الأميرية” دور البطولة في فيلم “تجميد إنجاز المعاملات” المتواصل منذ السنة الماضية. مرّة أخرى، يجد الفساد فرصاً للارتزاق من معاناة اللبنانيين، فمن لا يصبر لساعات أو ربما لأيام حتى توافر طوابع من فئة “ألف ليرة” و”500″ و”250″ أو حتى “5000”، لديه خيارات أخرى بدافع الحاجة، كالشراء من سوق سوداء تبيع ما بقي في السوق أغلى من أسعاره، أو استبدال المطلوب بطابع الـ”10 آلاف” على الرغم من أنه حلّ مخالف للقانون.

 

تحمل أزمة شح الطوابع، طابعاً رمزياً شديد الدلالة يختصر “فشل حكومة ما بعد الثورة في ايجاد الحلول”، كونها تزامنت مع شحّ آخر في الدواء والمحروقات والدولار ومؤشرات تنذر من شح قادم في دعم مصرف لبنان للمواد الأساسية. وعليه، تعدّى عدم توافر الطوابع بالكميات المطلوبة محاولة ضرب القطاع، ووصل حد انعدام ثقة المواطن اللبناني بوعود المسؤولين الذين عجزوا عن حل هذه الأزمة المتكررة كل شهرين. فما هي التحديات التي تنتظر المواطن؟

 

سوق سوداء موازية

 

الباحث محمد شمس الدين يقول لـ”نداء الوطن” إنه وفقاً لدراسة أعدّتها “الدولية للمعلومات” إن إجمالي دخل الدولة السنوي من الطوابع المالية “يبلغ 445 مليار ليرة لبنانية تُقسم بين طوابع مدفوعة نقداً، والتي تدر مدخولاً للدولة بقيمة 333 مليار ليرة لبنانية، وطوابع أميرية (الملصقة) تدخل للخزينة مبلغاً يقدر بـ110 مليارات ليرة لبنانية وغرامات على الرسوم تصل إلى 2 مليار ليرة لبنانية”.

 

سوق موازية سوداء شرّعت أبوابها أمام هذه الأزمة المتجددة كل 60 يوماً، ففي حين أن 900 ليرة لبنانية من الربح الصافي تذهب إلى خزينة الدولة من مبيع طابع واحد فئة ألف ليرة و50 ليرة للطباعة و50 ليرة للموزع المرخّص الذي يدفع ضرائب ورسوم مزاولة مهنته، يدخل على الخط “محتكرون” مدعومون، يسحبون من المالية كمية كبيرة من الطوابع، فيخزنون بعضها ويعمدون إلى توزيع بعضها الآخر على بائعين جوالين يتواجدون على أبواب المؤسسات العامة، حيث تحتاج المعاملات إلى طوابع ويبيعونها بضعف السعر 2000 ليرة مثلاً لطابع الـ1000 ليرة، في أقل تقدير وبين 3000 و4000 عند شحها في مكسب يفوق ربح الدولة اللبنانية.

 

أضيفت “مافيا الطوابع” على لائحة المافيات المتحكمة في قطاعات لبنان العديدة من الجمارك إلى الدواء والوقود، وصارت تعتمد كغيرها من عصابات تحترف استغلال المواطن أسلوب “ترويض” الشعب على الخضوع لسوقها الموازي من دون معارضة والإذعان لأمر الواقع. فبدل من أن تُطبع الطوابع على أساس حاجة السوق لمدة سنتين، يأتي “التسكيج” بطبع نحو 50 مليون طابع من فئة ألف ليرة سنة 2020 إلا أنها تُضخ على دفعات كل فترة، وطبع نحو ربع ما يحتاجه السوق من فئة 250 ليرة وتوزيعه “بالقطارة” فيصبح “الإحتكار” سيد الموقف.

 

إحتجاج المخاتير

 

كل ذلك دفع عدداً من مخاتير قضاء صيدا والزهراني، إلى تنفيذ وقفة احتجاجية في القاعة المخصّصة لهم داخل سراي صيدا الحكومي، حيث رفعوا لافتة كتب عليها “لا توجد طوابع بريدية”، مناشدين الجهات المعنية التدخل لحل هذه الازمة لما يتكبده المواطن من عناء، خصوصاً في ما يتعلق بمعاملات القيود والوثائق والافادات التربوية، سيما واننا في بداية العام الدراسي والجامعي اضافة الى الافادات العقارية والسجل العدلي.

 

بات الحديث حول ضرورة وضع حلول ناجعة وتوفير كميات أكبر من الطوابع الأميرية، لمنع معاناة المخاتير في تلبية متطلبات شؤون المواطنين الرسمية أكثر وضوحاً من ذي قبل. واعتبر المختار خالد السن أنها “من أهم أسباب تأخر المعاملات في مختلف الدوائر والمؤسسات ومن ضمنها الإفادات التربوية التي يزيد الطلب عليها في هذه الفترة، نظراً لارتفاع أعداد التلامذة الذين انتقلوا من القطاع الخاص إلى الرسمي. ووقفنا عاجزين امام دمعة والد طالبة لعدم تمكننا من تأمين طابعين لتصديق افادتها المدرسية”.

 

وأكد أنّه “لا يوجد مبرر لتعطيل أي معاملة عدا “انقطاع الطوابع”. وأن “استمرار العمل بهذه الطريقة سيعطل الحياة في الدوائر بشكل كامل”. “أفكر في تعليق لافتة على واجهة مكتبي تقول “الطابع مش مقطوع، الطابع محجوز” إسوة باللافتات التي عُلّقت على أبواب الصيدليات هذا الشهر، واستباقاً لأسئلة المواطنين الذين يجولون أحياناً عدة مناطق أملاً بإيجاد طابع مالي واحد، ونقف كمخاتير مُنتخبين عاجزين أمامهم عن المساعدة…”.

 

بهذه الكلمات عبرت المختارة جوزيان خليل عن امتعاضها من أزمة انقطاع الطوابع لـ”نداء الوطن”، وتشرح: “خسر بعض الأشخاص رحلات سفرهم بسبب طابع! وسألني أحدهم، هل يمكنني لصق عملة 100 ألف ليرة على الطلب “بس سفّروني من هالبلد” بعد أن بحث طيلة 3 أيام عن طابع؟… وتابعت: “بدأت المشكلة عندما قررت الدولة لسبب ما، تغيير الشركة الملتزمة بالطبع، ورست المناقصة على مطبعة لم تكن في العادة تقوم بتنفيذ طباعة الطوابع وبسبب افتقادها للتقنيات المطلوبة ومواد الطباعة المخصصة، طُبعت أولاً طوابع غير لاصقة، ما أدى إلى إبطال العقد لتتم العودة إلى المطبعة السابقة، ولكن في المقابل مع تغيّر سعر صرف الدولار وتعديل المواصفات الفنية من طابع على ورق مصمّغ إلى ورق لاصق ذاتياً ارتفعت كلفة الطبع بشكل كبير حيث كانت كلفة الطوابع متدنية حيث بلغت 12.89 ليرة للطابع الواحد بحسب العروض المنفّذة لغاية مطلع حزيران 2020، إلا أنه وبموجب المناقصة الأخيرة ارتفعت الكلفة إلى 49.95 ليرة الأمر الذي سيكبّد الخزينة نحو 15 ملياراً إضافية لا ندري ما إذا سيتم العمل بها أم سنتجه إلى حلول أخرى كاعتماد الآلة الواسمة التي يتم ترخيصها و”تشرّيجها” من وزارة المال بمبلغ معيّن لتحل مكان الطوابع التقليدية الحالية وهو ما نطلبه جميعاَ”.

 

الحل: “ماكينة الوسم”!

 

في ظل هذه التحديات الجمّة، لا بد من صدور قرار إلزامي يجمع بين وزير المال ووزير الداخلية والبلديات للإتفاق على فرض استخدام آلات وسم الطابع المالي في مراكز المحافظات، في حل قابل للتنفيذ على وجه السرعة عملاً بالمادة 37 من المرسوم الإشتراعي رقم 67-1967 (قانون رسم الطابع المالي)، تنص على أنه يمكن لوزير المال أن يقرر استيفاء رسم الطابع المالي في بعض الإدارات العامة بواسطة الآلة الواسمة.

 

فالآلة، هي ماكينة ترخص وزارة المال استخدامها، ويوضع فيها تصميم الطابع المعتمد من كل الفئات، ويتم ملؤها الكترونياً فقط من وزارة المال بحسب المطلوب، وتشتريها الشركات والإدارات الرسمية، فيقوم المختار مثلاً بوسم المعاملة بقيمة الطابع الذي يفترض ان يلصق عليها حتى انتهاء الكمية المعبأة فيها، الأمر الذي يقطع الباب أمام السوق السوداء والإحتكار ويوفر على الدولة كلفة الطباعة التي ليست بواردها حالياً، ويسهل على المواطنين عملية إنجاز المعاملات ويريحهم من عناء “البحث والتفتيش” عن الطوابع التقليدية.

 

إلا أن هذا الحل، رغم أهمية فرضه إلزامياً، يحتاج إلى دعم مالي لشراء الماكينات التي تتراوح كلفة الواحدة منها بين 4900 و5000 دولار ولا يستطيع كل المخاتير والشركات دفع ثمنها، ناهيك عن كلفة الصيانة والحبر إلا أنه سيعتبر انجازاً في قطع يد الفساد عن هذا الملف.

 

كيف يتم الترخيص لآلة وسم طابع مالي:

 

تقدم المؤسسة الراغبة في اعتماد طريقة الوسم لتسديد رسم الطابع المالي من الدائرة المالية المختصة بطلب خطي تبين فيه أنواع المطبوعات المقدمة للدمغ وكمياتها ومقدار الرسم المترتب عليها، ثم تسجل المعاملة في قلم دائرة الضرائب غير المباشرة في بيروت ثم تحال إلى المراقب المختص لدرسها. بعدها يقوم المراقب المختص بإعداد تقرير يتضمن دراسة مكتبية عن وضع المكلف الضريبي الذي يريد استخدام الآلة الواسمة وعن مدى التزامه بموجباته الضريبية، يرفعه إلى رئيس الدائرة مع اقتراح الموافقة أو عدم الموافقة ويعد مشروع قرار. وعليه يرفع رئيس الدائرة بعد بيان رأيه مشروع القرار إلى مدير الواردات الذي يرفعه إلى مدير المالية العام بعد بيان رأيه أيضاً، ويوقع المدير العام مشروع القرار ليتم إبلاغ المكلف القرار وفقاً للأصول القانونية.

 

أما بعد صدور القرار بالموافقة تجرى تعبئة الآلة في دائرة الضرائب غير المباشرة في بيروت بحضور المراقب المختص ومندوب عن الشركة المرخص لها من قبل وزير المال صنع الآلات الواسمة واستيرادها والاتجار بها، ومندوب آخر عن المكلف الذي يريد استخدام الآلة. وينظم أمر قبض بقيمة الإعتماد المنوي فتحه في الآلة بعد حسم 5% منه جعالة ليُعاد تعبئة الآلة عند فراغها، بعد تأكد الدائرة من قانونية العمليات السابقة