يبدو أنّ نوبة الذعر التي ضربت الأسهم المالية في الفترة الأخيرة أثارت مخاوفَ حول صحّة النظام المصرفي العالمي وللمرة الأولى منذ الأزمة المالية في العام ٢٠٠٨ مع انخفاض مؤشر البنوك الأوروبية لمستوياتٍ قاربت الانخفاضاتِ القياسية في العام ٢٠١٢ عندما بدت منطقة اليورو على وشك التفكك وحينها وعد ماريو دراغي رئيس المركزي الأوروبي بفعل «كلّ ما يلزم» لإنقاذها.
يبدو أنّ الامور ساءت بشكل عميق وانخفضت الاسهم المالية الى مستويات قياسية اذ بلغت ١٩ بالمئة في أميركا والاسهم اليابانية ٣٦ بالمئة منذ كانون الثاني وتبعتها المصارف الإيطالية بنسب ٣١ بالمئة ونسب مخيفة في اليونان إذ بلغت ٦٠ بالمئة.
يُعتبر هذا الامر مخيّباً للآمال وسنة سيّئة للمصارف الأوروبية، لا سيما الكبيرة منها مثل Société Générale وDeutsche Bank كذلك Credit Suisse علماً أنّ الجهود التي بُذلت في السنوات الاخيرة في هذا القطاع كانت جدّية لا سيما من خلال رفع رأس المال وصرامة القوانين كذلك تولّي المركزي الأوروبي مهمة الإشراف عليها.
ويبدو للعيان أنّ البنوك الأوروبية اهتزت وضعيتها نتيجة مزيج من المخاوف قد يكون أبرزها التباطؤ الاقتصادي الذي يشهده العالم حاليّاً لا سيما الصين التي أثّرت تأثيراً مباشراً في ألمانيا والمصدّرين فيها- إنما وللعلم، التباطؤ العالمي قد يكون واحداً من جملة امور أدّت الى هذه النكسة للمصارف الأوروبية. وتبقى امور عدة وجب إلقاء الضوء عليها وفصل الاستحقاقات القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل، ما يساعد على توضيح أنّ مشكلاتهم مزمنة وليست اعتراضية.
وقد يكون Tidjane Thiam الرئيس التنفيذي لـ Credit Suisse حدّدها عندما تحدث عن خسارة مصرفه وللمرة الاولى منذ العام ٢٠٠٨ وقال: «ظروف السوق المتقلبة» و«ضغوط السيولة» و»اتساع هوامش الائتمان» هي امور يجب أخذها في الاعتبار كذلك مخاوف التباطؤ في الاقتصاد العالمي والإنخفاض الحاد في أسعار النفط والقروض التي أُعطيت للأسواق الناشئة ومنتجي السلع الاساسية والتي قد لا تُسدّد.
كذلك لا تزال مصارف كثيرة مرغمة على دفع غراماتٍ ضخمة لجِنح حدثت في الماضي وهي بحاجة أيضاً لاعادة هيكلة نفسها والتقيد بشروط المركزي الأوروبي ما يعني مستوجبات باهظة الثمن قد لا تستطيع سدادها.
والقواعد الأوروبية الجديدة والتي دخلت حيز التنفيذ في بداية العام تنصّ على جملة امور من ضمنها رأس المال وكيفية تعاطي المصارف معها- هذا وحسب توقعات صندوق النقد الدولي أنّ مبلغ الديون المتعثرة في أوروبا ناهز تريليون يورو في نهاية عام ٢٠١٤- وتحقيق أهداف اوروبا للعام ٢٠١٩ يلزمه أمور شتى لا يمكن حصرها بزيادة الأرباح وهو امر غير محتمل وتقليص الميزانيات وهذا أيضاً امر غير سهل- اضف الى ذلك ما تتعرض لها المصارف من مخاطر وأخطرها استمرار التدنّي في معدلات الفائدة وتجربة مثيرة في التعاطي مع أسعار فوائد سلبية لتحفيز الاقتراض.
وما هو مثير للقلق نتيجة هذا التراجع في اسهم المصارف الاوروبية كونها وبالنسبة للائتمان اهم بكثير منها في اميركا حيث هناك من السهل الاقتراض من سوق المال والحصول على تمويل خارج النظام المصرفي.
وما يجعله خطيراً في اوروبا أنّ الاعتماد على هكذا وسائل اقل بكثير والمصارف قد تكون السبيل الوحيد للاقتراض والمخاوف تتزايد من أن تشهد المصارف الأوروبية خصوصاً والعالمية عموماً ما شهدناه خلال الازمة المالية مع فارق واحد انه لن يستسطيع أحد إنقاذها.
ودوتيش بتك يقود القافلة مع هبوط اسعار السهم الى ما دون المستويات التي حصلت في أحلك ايام الازمة المالية والخوف من أن تتفاقم المشكلة رغم التطمينات التي برزت على لسان رئيس البنك Cryan ووزير المالية Chauble من أنّ المصرف بوضعية جيدة وصلبة ولا خوف عليه.
وقد يكون تفسير جينفر ماكيون أحد كبار الاقتصاديين في لندن أنّ جزءاً من ضعف اسهم البنوك عموماً ما يزال المخاوف في شأن مستويات الديون في القطاعين العام والخاص في منطقة اليورو- وهذا التفسير ليس الوحيد إذا ما أخذنا في الاعتبار مصائب اوروبا الاقتصادية والازمة اليونانية وما تتعرض له إيطاليا حالياً مع ازمة مصارفها، أضف الى ذلك علامات التباطؤ في بيانات الانتاج الصناعي الألماني وانخفاض قيمة الصادرات فيها ووجود الكثير من المصارف الصغيرة الضعيفة الأداء داخل منطقة اليورو.
هكذا نرى المصارف الأوروبية تفتقد التنظيم وبحاجة الى إعادة هيكلة وأمامها تحدّيات لا سيما الامتثال لمقرّرات بازال ٣ في العام ٢٠١٩ و تواجه حالياً صعوبات سياسية مع اليونان ومصرفية مع إيطاليا وألمانيا ما يعني أنّه وجب التطلع الى قضايا عدة ومحاولة حلها- اضف الى ذلك الأحكام القانونية ونفقاتها والتي تزيد العبء على المصارف-
والامر الاكيد أنّ النظام المصرفي يستند الى الثقة واذا ما كان الدائنون قلقين في شأن السيولة في المصارف فسوف يوقفون اقراضهم المال ما يعني حتماً تعثر مصارف مترابطة ببعضها البعض بعمليات مصرفية وإذا ما تعطل أحدها قد ينعكس ذلك سلباً على مصارف اخرى ما يُحدث تعطيلًا كبيراً في القطاع وفي النظام المالي بشكل عام.
لذلك يبقى السؤال مَن سينقذ المصارف والوضعية هكذا وهل نحن على عتبة أزمة مالية عالمية أخرى وهل بوادر ليمان برازرز تلوح في الأفق من جديد؟ الامر الأكيد هو أنّ اوروبا في نفق والمستقبل غامض والركود العالمي أكيد ما يعني أنه إن وُجدت حلول لن تكون على أقله في المدى القريب والخوف من أن تتعثر الأمور وتفضي الى أزمة مالية جديدة تطيح بأوروبا واليورو والنظام المالي العالمي من جديد.