IMLebanon

“الحزب” أصبح في مكان آخر

 

 

«مَن جهَّز غازياً فقد غزا»، يستعير «حزب الله» هذه الجملة من «الحديث» في أحد الإعلانات عبر وسائل إعلامه الإذاعية والتلفزيونية، ويطلب في هذه الإعلانات دعماً مالياً «لتجهيز غازٍ». الإعلان موقّع من «هيئة دعم المقاومة»، ويُرفَق الإعلان بأرقام هاتفية للتواصل من أجل تقديم «المساهمة لتجهيز غاز». ولتسهيل الأمر على المساهمين، فإنّ الإعلان يشرح لهم وجهة المساهمة، فيتحدث عن التجهيز ببزة عسكرية أو حذاء عسكري أو بندقية حربية.

 

هذا الإعلان يتكرر أكثر من مرة في النهار، فكيف يتم النظر اليه؟ معارضو «حزب الله» يقرأون فيه إنه استباحة للدولة، فيما مؤيدون له يعتبرون أنّه يأتي في «سياق طبيعي لمسار «حزب الله». وبين المعترضين والمؤيدين، ثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، وهي أنّ «حزب الله» أصبح في موقع متقدِّم جداً في الداخل اللبناني، ولم يعد من السهل على الإطلاق اللحاق به، حتى لو قررت الدولة ذلك.

 

فحين «يطرح «حزب الله» الصوت» طلباً للدعم المالي، فهذا يعني أنّه يطلب دعم «المجهود الحربي» بالمال، ويحدد وجهة الدعم، غير آبه باعتراض أو ممانعة، وحين يصل إلى هذا المستوى في الاداء، فهذا يعني أنّه لا يأخذ بعين الاعتبار مراعاة الدولة، حتى في الشكل.

 

هذا الواقع قد لا يعجب كثيرين، لكن عدم اعجابهم لا يغيّر في واقع الأمور شيئاً.

 

صعوبة اللحاق بـ»حزب الله» لا تقتصر على «تجهيز غازٍ»، بل تتجاوزه إلى «تجهيز دولة»، بمعنى القيام بأعمال يفترض ألا تقوم بها إلّا الدولة، مثال على ذلك: «حزب الله» لديه مصانع لتصنيع أسلحة وذخائر، الثقيل منها والمتوسط والخفيف، من الصواريخ والمسيَّرات إلى الذخائر، هذا المعطى لم يعد خبراً استثنائياً في لبنان، بل أصبح التطرق اليه مجرد خبرٍ أقل من عادي، تماماً كخبر لقاء رئيس وحدة التنسيق والارتباط في «حزب الله» الحاج وفيق صفا مع مجموعة ضباط في قوى الأمن الداخلي، قيل إنّه في هذا الإجتماع وضِع حدٌّ لاستكمال الخطة الأمنية في الضاحية الجنوبية.

 

«حزب الله» حقَّق «نقلته»، وينتظر، من دون استعجال، أن يُسلِّم الآخرون بالواقع الناجم عن هذه «النقلة»، وإنْ لم يفعلوا فإنه مرتاح إلى وقته، ويستطيع ان ينتظر إلى ما شاء الله. يتعاطى الخارج مع «حزب الله» بصفته هو المقرِّر: حين كان المفاوض الأميركي آموس هوكشتاين يفاوض على الترسيم البحري، كان ينتظر الكلمة الأخيرة، رفضاً أو قبولاً، من «حزب الله».

 

وفي ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، سمَّى «حزب الله» مرشحه وأدار ظهره للجميع، وحتى اليوم، لا يبدو في الأفق أنه في وارد التراجع عن خياره. «حزب الله» يفرض أمراً واقعاً، على كل المستويات، على الجميع من دون استثناء: يتسلّح، يقاتل، يفاوض، يرشِّح، يعطِّل، يجمع تبرعات، يقاتل في سوريا، في هذه الحال، ماذا يبقى للدولة أن تفعله؟

 

«حزب الله» أصبح في مكان آخر.