في المبدأ ليس هناك من لا يرحب بقرار اعتماد البطاقة التمويلية، التي هي مطلب مزمن، ومادة للنضال النقابي الجاد، يوم كان في هذا البلد مناضلون نقابيون، وقادة رأي فعليون.
فالبطاقة، اياً كان اسمها، تمويلية أو سواه، إنما هي موجودة في البلدان التي تحترم ذاتها، من دون أن تكون مرتبطة بأزمة طارئة، أو وضع اجتماعي عابر. ويستفيد منها، حكماً، مواطنو تلك البلدان والمقيمون فيها بصورة قانونية من الوافدين. وأكثر المستفيدين هم ذوو الحالات الصحية التي تحول دون انخراطهم في سوق العمل، وأيضا الذين هم في بطالة لسبب قاهر أو خارج عن الارادة الخ…
المهم ان القوم، عندنا، لم يقروا هذه البطاقة التموينية إلا بعدما بلغ الوضع الاجتماعي ذروة الانهيار في الميادين كلها، وعلى الصعدان كافة. لذلك نقول إننا نخشى أن نكون قد رتبنا أعباء مالية جديدة على الخزانة العامة، من دون نتيجة وفاعلية.
وفي حال استمر الانهيار وما يرافقه من تدهور مروع في سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار الاميركي،نكون كمن يقبض على الريح.
نحن نفهم أن ثمة غايات وأهدافاً عديدة وراء إقرار البطاقة التمويلية، ونريد أن نحسن الظن بالقرار، ولكننا ندرك بداهة أن القوم ما لجأوا إليه إلا تحت المؤشر المرتفع جداً الى حدود الانفجار الكبير في البلد.
فمن يملك القدرة على مواجهة غضب الناس؟
ومن يستطيع أن يسد الفراغ القسري في الإدارة والمؤسسات العامة، لعدم قدرة الموظفين على الانتقال الى مقار أعمالهم جراء أزمة البنزين؟
حتى في القطاع الخاص بات ضغط الأزمة لا يحتمل، علماً أن عربة المواد الغذائية والاستهلاكية صارت توازي، أسبوعياً، الحد الأدنى الشهري للأجور.
ناهيك بأننا على أبواب العام الدراسي، اذ اطرافه الثلاثة في المأزق: المدرسة والمعلم والتلميذ… أما حال الجامعة والأستاذ والطالب فليست بأفضل!
الى ذلك يكفي التنقل لدقائق معدوة في العاصمة وسائر المدن والبلدات، لتنبئك الشوارع والطرقات بالاحتقان الشديد لدى الناس، خصوصاً أولئك الواقفين في طوابير الذل والعار (عار على المسؤولين) وقهر الناس.
وما يلفت بقوة ويدعو الى الكثير من التساؤل غياب عناصر الشرطة والبلديات عن تقاطع الطرقات خصوصا الاكثر خطورة، على قاعدة ماشية والرب راعيها. وأما هجرة ألفين من أبرع الأطباء من مختلف الاختصاصات، ومعهم عدد موازٍ من الممرضات فهو، في حد ذاته، كارثة كبرى على القطاع الطبي الذي طالما فاخرنا به العالم عن حق واستحقاق.
في غمرة هذه المأساة المتمادية تأتي البطاقة التمويلية لترفع عتباً لا يرفعه أضخم وأقوى ونش في العالم جراء التمادي في الإساءة الى لبنان؟!.