530 ألفاً محرومون الدراسةَ في البلدان المضيفة
رغم أن تمويل كلفة التعليم للأطفال السوريين اللاجئين في المنطقة تجاوز 1.4 مليار دولار خلال عام 2016، إلا أن نحو 530 ألف طفل على الأقل لم يتلقّوا تعليمهم في العام الدراسي المُنصرم! تقرير «تتبّع الأموال/ غياب الشفافية في تمويل المانحين لتعليم اللاجئين السوريين» (أصدرته «هيومن رايتس ووتش» في 14 أيلول الماضي)، أشار إلى مبالغ «مفقودة»، وعزا انعدام الشفافية إلى تمنّع الجهات المانحة عن إعداد تقارير مُفصلة عن الأموال التي منحتها. ويُثير التقرير مسألة تضارب قاعدة البيانات، لافتاً إلى أن أهداف التمويل التي وضعتها الجهات المانحة لم تتحقّق في الأردن ولبنان
135 مليون دولار كانت مُخصصة لتمويل كلفة التعليم للأطفال السوريين اللاجئين في لبنان «فُقدت» عند نهاية عام 2016، بحسب تقرير جديد لمنظّمة «هيومن رايتس واتش» تناول «غياب الشفافية في تمويل المانحين لتعليم اللاجئين السوريين».
وأشار التقرير إلى أن امتناع الجهات المانحة عن إعداد تقارير مُفصّلة عن الأموال التي دفعتها «جعل من المستحيل تحديد مقدار الدعم الذي يُقدّمه المانحون لتمويل التعليم في كل بلد مُضيف». وأوضح أن العديد من الجهات المانحة تعهّدت بتمويل كلفة تعليم اللاجئين لسنوات عدة، «لكنّ المملكة المُتحدة كانت الجهة المانحة الوحيدة التي نشرت معلومات مُفصّلة عن التزامات التمويل لخطط التعليم اللبنانية والأردنية». وذكر التقرير أنّ التقارير المُتعلّقة بتتبّع الأموال العامة وغيرها تفتقر إلى الكثير من المعلومات الضرورية لمعرفة ما إذا كان التمويل يعالج العقبات الرئيسية التي تعرقل تأمين التعليم اللازم للأطفال السوريين. وخلص إلى أن أهداف التمويل التي وضعتها الجهات المانحة لم تتحقّق في الأردن ولبنان. فعلى رغم إنفاق أكثر من مليار دولار عام 2016، بقي أكثر من 530 ألف طفل سوري في المنطقة محرومين التعليم.
وكانت مجموعة من الدول (الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا، النروج، اليابان، والاتحاد الأوروبي) قد تعهّدت في مؤتمر «دعم سوريا والمنطقة»، الذي انعقد في لندن في شباط عام 2016، توفير 1.4 مليار دولار لتمويل التعليم داخل سوريا وفي البلدان المجاورة. واتفقت مع البلدان المُضيفة على حصول جميع الأطفال السوريين اللاجئين على «التعليم الجيد» بحلول نهاية العام الدراسي 2016/2017.
وقدّر المؤتمر تكاليف هذا البرنامج في لبنان بنحو 350 مليون دولار سنوياً على مدى خمس سنوات. ونقل التقرير عن الأمم المتحدة أن لبنان تلقى عام 2016 مبلغ 253 مليون دولار في إطار خطة مُساعدات مُنسّقة من قبل الأمم المتحدة، ما يعني أن هناك «عجزاً» قدره 97 مليون دولار، فيما أفادت الجهات المانحة بأنها قدّمت العام الماضي 223.4 مليون دولار لتمويل تعليم اللاجئين في لبنان! وفي معرض التقرير المُفصّل، عادت المنظمة لتُشير إلى تضارب قاعدة البيانات حول تمويل التعليم في لبنان عام 2016، لافتة إلى «عجزٍ» أكبر، ومُشيرة إلى أن المُشاركين في المؤتمر أفادوا بـ «أرقام مُختلفة».
وعرض التقرير ما يأتي:
* أقرّ مؤتمر لندن تكاليف التعليم في لبنان بمبلغ 350 مليون دولار سنوياً على مدى خمس سنوات.
* الخطة الإقليمية التي نسّقتها الأمم المتحدة للصراع في سوريا طالبت بمبلغ 388.2 مليون دولار للتعليم في لبنان عام 2016.
* بالتزامن مع بداية العام الدراسي 2016، قدّم المُشاركون في المؤتمر 112.4 مليون دولار للتعليم في لبنان و198.8 مليون دولار بحلول نهاية العام نفسه (أي ما مجموعه 311.2 مليون دولار). إلّا أن أكبر ستة مانحين قالوا إنهم منحوا لبنان مبلغ 249.8 مليون دولار بحلول نهاية عام 2016!
* المعلومات المُستقاة من خطة المساعدات المُنسّقة مع الأمم المتحدة تُشير إلى أن هناك عجزاً بقيمة 180.9 مليون دولار لتمويل التعليم في بداية العام الدراسي 2016. وبحلول نهاية عام 2016، بقيت «الفجوة» مُقدرة بـ135 مليون دولار لقطاع التعليم في لبنان!
شُبهة الفساد تُبعد المانحين
هذا التضارب في المعلومات، سببه الرئيسي غياب التقارير المُفصلة من قبل المانحين من جهة، وعدم سعي البلدان المُضيفة إلى فصل الأموال والهبات وتنظيمها وفق القطاعات والغايات المخصصة لها من جهة أخرى. من هنا، تبرز الحاجة، بحسب المُنظّمة، إلى تقارير مُفصّلة لمعرفة إذا ما كان المانحون قد وفوا بتعهّداتهم وقدّموا المعونة في الوقت المناسب، وإذا ما كانت الأنشطة المموَّلة تعالج العقبات الرئيسية التي تحول دون حصول السوريين على التعليم. ولفتت المنظمة إلى أنها طلبت من وزارة التنمية الدولية البريطانية الاطلاع على التقارير المتعلقة بالمنح «لكنها رفضت لأنها لم تحظ بموافقة المشاركين في المؤتمر».
كذلك يتعيّن على الجهات المانحة والوكالات المنفذة والحكومات المُضيفة، وفق التقرير، أن تعرف ما هي البرامج التي يجري تمويلها من أجل تنسيق جهودها بفعالية. ويُشير إلى غياب المعلومات حول المشاريع المتعلقة بدعم السوريين في لبنان، لافتاً إلى أن المانحين يترددون في تقديم الدعم «بسبب تصورات الفساد»، و«يُفضّل العديد من المانحين بدلاً من ذلك تقديم أموال من الفئة الثانية إلى اليونيسيف، التي أصدرت أكثر من 50 تقريراً خاصاً إلى المانحين عام 2016 تتضمن تفاصيل الاستخدام الكامل لمساهمات مالية محددة».
وأوضح التقرير أن «هيومن رايتس» لم تتمكّن من العثور على معلومات عن تمويل عام 2016 للمشاريع المتعلقة بدعم السوريين في لبنان والتي من شأنها أن تسمح للعائلات اللاجئة بإرسال أطفالها إلى المدرسة، مُشيراً إلى أن «المشروع الوحيد لعام 2016 كان متعلقاً بمعالجة عمل الأطفال الذي بلغت ميزانيته نحو 690 ألف دولار مُقدّمة من النروج». ولفت إلى أن لبنان اقترح خلال مؤتمر لندن خططاً مُختلفة لخلق ما يصل إلى 350 ألف وظيفة، 60% منها يجب أن تكون للسوريين، «ومع ذلك، أُصدِر 216 تصريح عمل فقط للاجئين في 2016، ما حرم الكثيرين إمكانية الحصول على دخل. ولم يُشارك سوى 7 آلاف و800 لبناني وغير لبناني في برامج العمل».
وفي ما يتعلق بالأردن، اتفق المشاركون في مؤتمر لندن على أن هذا البلد بحاجة إلى مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لتمويل تكاليف التعليم؛ خصص منها 249.6 مليون دولار لعام 2016. إلا أن السلطات الأردنية أفادت بأنها بنهاية العام تلقت نحو 208.4 ملايين دولار، ما يعني أن العجز يقدَّر بنحو 41.2 مليون دولار. المُفارقة أن الجهات المانحة أفادت بأنها دفعت 379.2 مليون دولار للتعليم في الأردن عام 2016!
سياسات البلد المُضيف تُعرقل تعليم الأطفال
ورغم أن التقرير يُقرّ بأن هناك غياباً للشفافية في ما خصّ التمويل، إلا أنه يُركّز على أن زيادة التمويل «قد لا تساعد إذا أدت سياسات البلدان المضيفة إلى تقويض وصول الأطفال إلى المدارس»، مشيراً إلى أن سياسات البلدان المُضيفة خلقت عقبات أمام تعليم الأطفال، ما فاقم من الفقر والضغوط الاجتماعية التي تدفع الأطفال إلى العمل أو الزواج بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.
التحرّش والتمييز سببٌ للانقطاع عن الدراسة
ومن الأسباب التي تحول دون حصول السوريين على تعليمهم في البلدان المُضيفة، «انتشار الفقر الذي يترك الأسر غير قادرة على دفع التكاليف المتعلقة بالمدرسة، ويجبر بعضها على الاعتماد على عمل الأطفال أو تزويج القاصرات». وتُظهر دراسة استقصائية أُجريت عام 2016، بحسب التقرير، أن 71% من أُسر اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستقصاء يعيشون تحت خط الفقر اليومي البالغ 3.48 دولارات للفرد، وأن معظمهم في حال دين، وأن التكاليف المرتبطة بالتعليم هي السبب في عدم تمكن الأطفال من تلقّي تعليمهم. ووجدت الدراسة أن الفقر هو العامل الرئيسي وراء ارتفاع معدلات زواج السوريات اللاجئات القاصرات، ومعظمهن لا يواصلن تعليمهن بعد الزواج.
إضافة إلى عامل الفقر، هناك عامل «تدني جودة التعليم الذي يكون سبباً في التسرّب المدرسي، إذ يكون المعلمون غير مدربين تدريباً كافياً». كذلك، إنّ التأخير في الحصول على بطاقة الهوية المطلوبة في تركيا مثلاً لتسجيل الأطفال في المدرسة شكّل عاملاً إضافياً لعرقلة حصول الأطفال على تعليمهم المطلوب. أمّا الأهم، وهو السبب الذي تراه أُسر السوريين أنه الدافع الأبرز للانقطاع عن الدراسة، بحسب التقرير، فهو «الفشل في معالجة التحرّش والتمييز في المدارس».
156 ألفاً محرومون التعليم في لبنان عام 2021!
بحسب أرقام «اليونيسف» عام 2015 (تشرين الثاني)، استضاف لبنان 368 ألف طفل سوري لاجئ تراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، منهم 180 ألفاً لا يحصلون على التعليم الرسمي أو غير النظامي. وبعد عام (كانون الأول عام 2016)، قدّرت «اليونيسف» أنه من أصل 376 ألفاً و228 طفلاً سورياً تراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً، هناك 126 ألفاً و732 طفلاً لم يحصلوا على أي تعليم، وسجلت انخفاضاً في عدد الأطفال الذين لا يتلقّون تعليمهم.
الجدير ذكره أن هذه الأرقام لا تشمل اللاجئين غير المُسجّلين لدى المُفوضية، ما يعني أن هذه الأرقام لا تُعبّر عن الواقع الحالي للأطفال اللاجئين. وأشارت المنظّمة إلى أنه إذا بقي عدد السوريين في سنّ الدراسة ثابتاً، فإنّ أكثر من 156 ألف طفل سيُحرَمون التعليم عام 2021!