المشكلة هي في تحويل “صف الحكي” الى تمويل. عنوان الامس يختصر المسألة كلها، والتجارب تثبت أن ليس من جمرك على الكلام. والدليل ليس في النصوص المتعلقة بموضوع واحد، فكل النصوص تتساوى في بيانات الحكومات اللبنانية لجهة عدم الفاعلية وانعدام الصدقية.
فلنأخذ حضور استقلالية القضاء في البيانات الوزارية مثلاً. الاستاذ الخبير ربيع الشاعر أجرى بحثاً في هذا الخصوص فاكتشف أن التعامل مع القضاء لم يتغير من حكومة جعلته بنداً في بيانها الى اخرى نسيته تماماً. وكل ذلك في فترة تعاقب الحكومات منذ أقل من عقدين. السلوك هو نفسه لجهة وضع اليد على القضاء لدى كل السياسيين عند توليهم المسؤولية، حتى لو جعلوا من احترام القضاء شعاراً فوق عتبات قصورهم.
الآن يجري “صفٌّ للحكي” بشأن خطط الإنقاذ، لكن ذلك كله يحتاج الى تمويل والى تعديل في السياسات والبرامج. فمن أين سيأتي التمويل إذا كانت الثقة منعدمة في النظام السياسي والمالي والمصرفي، وإذا كانت تهمة الفساد صفة شرعية لازمة لمعظم المسؤولين، وإذا كان لبنان ينفرد من بين دول العالم كافة بوجود سلطتين ونظامين لشعب واحد على أرضٍ واحدة؟
كانت تحويلات المهاجرين البالغة أكثر من 8 مليارات دولار سنوياً تسهم في ازدهار لبنان، والآن تحولت ودائع المغتربين الى رهينة لدى المصارف وأصحابها من أركان السلطة، وسينضب نبع كان يسقي الصحراء اللبنانية.
وكانت إيرادات السياحة تفوق الـ 10 مليارات دولار سنوياً، متفوقة على قطاعي الزراعة والصناعة، فباتت أقرب الى الانعدام، بسبب انهيار الثقة بلبنان كبلد اَمن وصديق، بعد سلسلة مواقف وخطب جعلت من المساهم المالي الأكبر في اقتصاد لبنان (دول الخليج) عدواً تنبغي محاربته والدعاء له بالموت!!
من أين سيأتي التمويل؟ ذلك هو سؤال لبنان مدى الحياة، ما دام محكوماً بالعقلية نفسها وبالصنف البشري إياه. أما أوهام الإعتماد على”محور الخير” الذي تحدثت عنه الممانعة، فقد سقطت قبل ان يهدأ صدى الخطاب بشأنها. روسيا انسحبت بعد محاولة توريطها بالوديعة في “مونة” غير مدروسة، وإيران مضطرة لتدبير أمور تقنينها، وساعد الله الصين في كبح الكورونا!!!