ـ ١ ـ
الخبر ليس مدهشاً: مصر ترشح أحمد أبو الغيط أميناً للجامعة العربية.
والتعليق الأكثر انتشاراً: هو المرشح المناسب لدفن المؤسسة الميتة اكلينيكياً.
وهذا كله «كلام عن الموتى» لكنهم نوعية خاصة من الموتى/ الذين لا يريدون المغادرة.
هم من علامات «الجحيم» الجامعة ومرشحها. وغالباً لن يرشّح أفضل منه أو لم يكن منتظراً «أفضل مما حدث». وهذا ما لم يعترف به لأن نقاد الجامعة وترشحاتها يكتظون بنوع من الأسى، أو يتواصلون في تحليلات عن محاولة السعودية ترميم الجامعة عبر «النخبة المصرية» أو يقولون ما هو أكثر عن «الرغبة» المتصاعدة في إظهار «الإجماع» الذي لا وجود له.
لا تثير الجامعة وانتخابات أمينها العام إلا قطاعاً متنفذاً من بقايا «الطبقة البيروقراطية» التي بدت الآن منفصلة عن كل الأنظمة، وتبحث عن مكافآت أو علامات على استمرار وجودها، في الوقت الذي تأنس الأنظمة إلى هذا الوجود «الميت» أو الذي استثمرت فيه الأنظمة ليظل ضامناً لنفوذها وقوتها.
ـ 2 ـ
منذ متى والجامعة العربية مؤثرة؟ أو فاعلة في غير وجودها كأداة «سلطة» فائزة في معارك العرب التي لا تقدم ولا تؤخر…؟
لكن «انتظار» شيء ما من الجامعة العربية كان مثل الحبل المعلّق في الفراغ، الذي يشير إلى «أمل لن يأتي» أو «خير لا يمكن توقعه» من كيان ظل ذيلاً لسلطويات غاشمة، تتصارع باسم الهويات لقتل الشعوب إلى أن وصلت إلى وضع لا ينافس في بؤسه شيء، إلا ملاعب مراهنات «المصارعة الحرة» المتلفزة أي التي تعد «دهشتها مسبقاً» ومع غياب نجوم «حلبة» الجامعة العربية من ياسر عرفات إلى القذافي مروراً بالبيروقراطي الأمثل مبارك وغيرهم، فقدت الجامعة جمهورها.
بل إنها بعد الثورات/ الانتفاضات/ الربيع، بدت وكأنها فقدت «هويتها» بمحاولة إنقاذ نجومها من الطغاة عبر «تحالف خليجي» مع طبقات الحكم في جمهوريات الجنرالات المقنعة.
وهنا فإنه غالباً سيمر ترشيح وزير خارجية مبارك، بقليل من الإثارة، المعبّرة عن وصول «موت» الجامعة إلى «موت» جديد.
ـ 3 ـ
«الجامعة» لعنة، هكذا يمكن أن ترى كل شيء تجمع عليه «السلطويات» وجمهورها المتنوع.
جمهور السلطويات متنوع، أكثرهم عدداً ساكن ينتظر «الحركة من أعلى» وينادي دائماً بشيء من اللوم والعتب على «حكّام» هم المؤامرة ذاتها.
لكن الجمهور الأكثر فاعلية يلعب على لعبة «المنافسة»، أو اختراع البديل، ليضمن «إثارة» ما.
وفي هذا البحث عن بديل بريق ما، ما زال له جمهوره، خاصة في جمهوريات تعيش مأساة «البحث عن منقذ»… ستجدهم يحاولون في سوريا البحث عن «معارضة بديلة» للأسد، يضعون فيها خصومه في الحرب الأهلية، أو شركاء إشعالها، بينما أيام الهدنة كشفت أن «المنافسة» على طريقة مصارعة السلطوية المحترفة بين (نظام المستبد القديم والمستبدين الإسلاميين) تغطي طلباً قوياً بالتغيير أو دولة «تعايش» واسعة تبنى على ديموقراطية وعدالة.
لكنهم سيظلون في بحث عن بديل، أي «نسخة نظيفة/ جديدة» من «سلطوي مستهلك»…
هكذا تمرّر في القاهرة الآن دعوات البحث عن «بديل» لرأس النظام، تبدأ من تسريبات من الكواليس الملكية السعودية، تنشرها الصحف الغربية في شكل إعلان عن فض «التحالف» الذي أوقف «الثورة» في مصر عند حدود تقوية «الطبقة البيروقراطية» الحاكمة في مواجهة «السلطوي الإخواني المنافس».
دعوات أخرى ذات ماض ثوري تقدم «البديل» من خلال أفكار مستهلكة مثل «توحيد القوى الوطنية»… وهي تصوّر «سلطوي» لاجتماع عدد من الوجوه القديمة لتيارات وتجمعات وأحزاب عملت جميعاً في إطار «معارضة» مبارك، أي في ذلك «الهامش اللعين» الذي تركه «الرئيس البيروقراطي» لكي يلعب فيه معارضوه ويستمتعوا بالتسلية.
هذه المعارضة أسيرة الفكرة المغلقة عن «الاصطفاف» أي الاتفاق على «فكرة واحدة» أو «اللعب بمنتخب واحد» وهي الفكرة التي تتعطل بأسباب عدة، أولها أنهم مجرد «لاعبين» محترفين لا قادة لهم شعبية أو قدرات على الاتصال الشعبي تمنحهم بعضاً من الندية مع «مؤسسات» الحكم التي ترى أن الدولة دولتها. وأهم هذه الأسباب أن السياسة ستتحرّك في مصر عندما يقبل التعدّد «وصيغة الحياة المشتركة» لا مصارعة «البقاء لمن يملك السلاح»..
هكذا فإن البحث عن «البديل» هو دعوة مغرضة لإعادة تثبيت السلطوي الجدير بالانتصار والتوافق عليه في هذه اللحظة، وهو غالباً أكثر شراسة وقسوة في تثبيت الوضع الميت…
وهكذا فإن «أبو الغيط» بديل مناسب… كما أن كل بديل تأتي به «المصارعة السلطوية» التي تلغي رغبات المجتمع… هو «مناسب» لاستمرار الوضع الميت…
هكذا فإن كل كلام في إحياء الصيغ الراهنة هو خطاب إحياء الموتى… ولو كان يستخدم أكثر النبرات الثورية ثورية….