IMLebanon

البحث عن «كفيل» دولي لعهد عون

حتى اللحظة لا تأكيدات على نهائية قرار إعلان الرئيس سعد الحريري دعمَ ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ولكن في المقابل لا تأكيدات أنّه غير جدّي بالمضيّ فيه.

المعلومة الأكثر دقّة المستقاة من أوساط متابعة للمبادرة، تتحدّث عن أنّ الحريري يبحث عن ضمانات دولية يحصّلها قبل إعلان دعم ترشيح عون، ونوعيتُها تتصل بإيجاد «ضامن دولي» يَكفل عدمَ إقدامه على انقلابات دراماتيكية خلال عهده الرئاسي.

ولكن من سيقدّم هذه الضمانات، هل هي باريس التي زارها الحريري؟ أم أنقرة التي قصَدها قبَيل بدء مبادرته؟ أم روسيا التي التقى فيها وزير خارجيتها سيرغي لافروف؟ أم واشنطن؟

خلاصة فكرة «ضامن عون» أو «إيجاد كفيل دولي يضمنه» ضد تصرّفات انقلابية قد يقدِم عليها حينما يصبح رئيساً، نشأت من اعتبار يقول إنّه إذا كان مستحيلاً بسبب الأوضاع العالمية، الاستنجاد بالخارج لمساعدة لبنان على إنتاج رئيسه العتيد، فإنّ أضعفَ الايمان هو أن يقدّم العالم ضمانات لـ»تسوية رئاسية صنِعت في لبنان» تضطرّ لانتهاج خيار عون بوصفه الطريقَ الوحيد الممكن لإنهاء الشغور الرئاسي.

وبما أنّ الكثير من الإقليميين والأطراف السياسية اللبنانية يرون أنّ السيرة الذاتية لعون الذي فرَض نفسَه مرشّحاً إجبارياً لانتخاب رئيس، تُقدّمه على أنه أشبه بـ»فيل» يجب تحاشي وضعِه في صالة زجاجية تتكدّس فيها الأواني الماسية، فإنّ ذلك يخلق حاجةً حتى لمعِدّ مبادرة دعم ترشيحه، لإيجاد ضمانات تمنَع الجنرال من تكرار سيرتِه بتحطيم الأواني الثمينة في حال وصوله لرئاسة الجمهورية. وأكثر الأواني الثمينة المحتاجة لضمانات دولية، هي «الطائف» ومشروع الاعتدال السنّي في لبنان الذي يمثّله الحريري، الخ.

إحدى الجهات الدولية الأبرز، المرشّحة لإعطاء هذه الضمانات هي روسيا، نظراً لوجود دالّةٍ لها على إيران. ليس خافياً أنّ تيار «المستقبل» طوَّر علاقاته مع موسكو خلال الفترة الماضية، ورغم أنّ الأخيرة كانت ولا تزال تفضّل مبادرةَ ترشيح النائب سليمان فرنجية على مبادرة ترشيح عون، لكنّها في ظرف تمختر أساطيلها في المياه الدافئة المتوسطية، قد تفضّل أكثر وظيفة أداء دور الضمانة في بلد يقع ضمن شواطئ نفوذها.

أمّا فكرة أن تكون باريس هي «ضمانة» أو «كفيل عهد عون»، فإنّ مصدراً فرنسياً استبعَد ذلك وكشفَ لـ«الجمهورية» أنّ الحريري خلال بدايات هذا الشهر حاوَل إقناع الإليزيه بإنهاء مفاعيل موقف يشبه وضع الفيتو على عون، كان ساد باريس منذ ترشيح فرنجية.

ولم تكن هذه المهمّة صعبة على الحريري، فباريس تدعَم إنهاءَ الشغور الرئاسي ولو حتى بعون، على طريقة أنّ آخر الدواء الكيّ. وفي الأساس فإنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند موجود هذه الفترة خارج التغطية ذات الصلة بالهموم الخارجية.

ويَلفت المصدر نفسُه إلى أنّ هولاند منقاد في هذه اللحظة المنكبّ فيها على درس إعلان ترشّحِه لولاية رئاسية ثانية، من «ديبلوماسيّي الاستطلاعات»(أي مهندسي حملته الانتخابية والإعلامية) ذات الصلة بمتابعة مزاج الناخب الفرنسي، وليس من «الديبلوماسيين ومستشاريه السياسيين».

ويكشف أنّ هولاند اعتَذر عن استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نتيجة نصيحة من مستشاريه الإعلاميين حذّرَته من أنّ استقباله للرئيس الروسي في لحظة اتّهامه دولياً بارتكاب «مجازر» في حلب سيضرّ بصورته الشعبية وبجهده الانتخابي الرئاسي.

ثمّة فكرة تتكهّن بأن تكون واشنطن هي «الكفيل». ويملك القائلون بها معلومتين جاري التدقيق في أيِّهما أصحّ: تتحدّث الأولى عن زيارة قام بها موفد من الرئيس باراك اوباما للرابية، وأبلغَ عون دعمَ ترشيحه، وحضّه على أن يكون الرئيس الذي يَدعم مؤسسة الجيش ويفتح ملفّات الفساد في لبنان. وفي مقابل هذه المعلومة هناك أخرى تصحّحها، وتفيد أنّ الوفد الأميركي الذي زاره ضمّ أعضاءَ كونغرس سابقين ناقشوه في سُبل حلّ أزمة الشغور الرئاسي واستعرضوا معه عناوين عامة.

لا يوجد تأكيد من مصادر مباشرة عن أيّ من المعلومتين الآنفتين هي الأصحّ. لكن مصادر مصرّة على عدم قناعتها بإمكان تطبيق فكرة «رئيس صنع في لبنان»، تطرَح احتمالَ أن يكون ترشيح عون جاء في لحظة تقاطع أميركي – إيراني انطلاقاً من هجومهما المشترك على الموصل، وذلك في مقابل تقاطع تركي – روسي يعبّر عنه تقاربهما الأخير، وقد يجد هذا المحور الثاني نفسَه، بمناسبة ترشيح عون ضمن ظرف أميركي – إيراني مشترك، أقرب إلى فكرة ترشيح فرنجية!

وترى مصادر أخرى أنّ أخطر ما تواجهه مبادرة دعم ترشيح الحريري هو أمران: الأوّل مأزق أنّها من خلال البحث عن ضمانات خارجية لتسوية محلية، قد تجد نفسَها أسيرةَ معادلة أنّ الظرف الدولي المشتبك ليس مناسباً للبحث عن حلول من عندياته، ولو حتى من نوع تقديم الضمانات، والثاني «عقدة برّي» التي قد تدخِل البلد في مرحلة «حرب المرشّحين» (فرنجية وعون) وقد تُسهم في بلورة انقسام سياسي بحلّةٍ جديدة، ولكنّه يؤدي أيضاً إلى إطالة أمد أزمة الشغور الرئاسي.