قال لي محدثي وهو يصنف نفسه محللا سياسيا، ان الرئيس سعد الحريري رشح النائب سليمان فرنجية احد اقطاب 8 آذار ليبرر عودته الى رئاسة الحكومة وهو ركن اساسي في 14 آذار، هكذا يقوم التوازن ما بين الفريقين. لكني لا اوافقه الرأي لاكثر من سبب. اول الاسباب ان فريق 14 آذار لم يعد موجوداً كتنظيم وامانة عامة جامعة لكل اطرافه، وقد مرت ذكرى 14 آذار ببيانات يتيمة من هنا وهناك تعكس هذا الواقع المأسوي. وثاني الاسباب ان فريق 8 آذار لم يعد موحدا وان كان انفراط عقده لم يظهر بشكل علني، لكن خلاف الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون الدائم يجسد هذا الانقسام، وترشح النائب فرنجية في مواجهة عون يجسد ايضا هذا الانقسام، وزيارة الوزير السابق عبد الرحيم مراد الى “بيت الوسط” تكرس الانقسام. وثالث الاسباب ان الرئيس بري يمثل فريق 8 آذار في السلطة، ولا حاجة بعد الى ممثل آخر لهذا الفريق في سلطة ثلاثية الرأس، اذ يصبح الخلل فاضحا برئيسين لـ 8 آذار في مقابل رئيس للفريق المناوئ.
لذا وجب البحث عن رئيس من خارج الفريقين، يستقر في منطقة وسطية ما بين الاثنين، ويكرس الدور المسيحي الذي قام اساسا صلة وصل لهذا الشرق بالغرب، وللمسلمين بالمسيحيين، وللشيعة بالسنة. دور المسيحي في السلطة اليوم هو وصل ما انقطع لكي يستعيد دوره الذي سرقه منه النائب وليد جنبلاط فصار “الجوكر” الذي لا غنى عنه. المسيحيون فقدوا دورهم منذ ارتمى قسم منهم مع الاسرائيلي والآخر مع السوري، فما عاد لبنان اللبناني في سلّم اولوياتهم كما كان منذ قيام الكيان، بل تقدمت المصالح والحسابات الشخصية والسلطوية.
اذا كانت مرحلة البحث عن رئيس من خارج دائرة الاربعة “الزعماء” قد بدأت، فذلك دليل صحة وعافية وامل في الخروج من النفق المظلم الذي بدأناه في 25 ايار 2014، بشغور قصر بعبدا، من دون قدرة هذا النظام على ابتداع فتوى قانونية تلزم النواب الحضور الى ساحة النجمة والاقتراع ولو بورقة بيضاء.
تتطلب هذه المرحلة انسانا حكيما، بالفعل لا باللقب، يكون قادرا على التواصل مع كل افرقاء الداخل، ومعظم الاطراف الخارجيين، ويكون قادرا على صوغ مشروع جديد للبنان يقنع به المجموعات اللبنانية كمقدمة لعقد اجتماعي او مؤتمر تأسيسي يحسّن النظام القائم والذي تجاوزه الزمن في محطات ومفاصل كثيرة. نحتاج اولا الى اقتناع تام بأننا في حاجة الى رئيس من خارج الاربعة الذين اجتمعوا في بكركي، وسواء اتفقوا ام لم يتفقوا، فعليهم ان يقتنعوا بانهم استهلكوا فرصتهم، وما عاد ممكنا لأحدهم بلوغ قصر بعبدا في المرحلة الراهنة. لبعضهم فرصة لم يحن اوانها بعد، وآخرون سيسجل لهم انهم عطلوا الاستحقاق من شدة الانانية وتحت شعارات مختلفة لا تنطلي على احد.