IMLebanon

البحث عن قوات سنّية لقتال «داعش»

«الحروب» المعلنة ضد «داعش» مملّة. حروب خاسرة بكلفة باهظة. دول عظمى بأساطيل جوية وأسلحة دقيقة وفعالة، لم تغيِّر المعادلة. دول إقليمية وجيوش محلية، تبدو خائرة القوى أمام تمدّد «دولة الخلافة». تنظيمات مسلَّحة انخرطت في المعارك البرية بدعم جوي، لم تقلب المعادلة. «التحالفان» الدوليان، الأول بقيادة واشنطن والثاني بقيادة موسكو، فشلا في تحقيق نصف انتصار على «داعش». نجاح تحرير سنجار استثناء بأسباب، تحرير «كوباني» نجاح بأسباب مشابهة. ما تزال الرقة منيعة والموصل ممتنعة على التحالفين. عاصمتان لـ «داعش» منيعتان.

«الحروب» المعلنة ضد «داعش» حققت إصابات بليغة. تعويضها ممكن لدى البغدادي: أصيبت قوافل النفط، دُمّرت مراكز تدريب، قصفت مواقع قيادية، مُنيت أرتال متنقلة بإصابات، كاد البغدادي أن يُقتل… ومع ذلك، لا يزال «داعش» قادراً على تزكية حروبه بمعارك خلف خطوط «العدو» وفي قلبه. يضرب فيصيب، في أي بقعة في العالم. ضَرَب «الضاحية» في لبنان فأدماها. ضَرَبَ باريس في قلبها، فأصابها بهلع واهتزاز. ضرب الولايات المتحدة لاستنفار العداء ضد المسلمين فيها، فاستجيب له من قبل الجمهوريين… يبدو أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» منيعة. فالحروب ضدها، ليست حروباً ناجعة. إنها مجرد ضربات موجعة، في جسد لا يستشعر الوجع، بل يستطيب المزيد. جهنم الحروب نعيم له.

أخيراً، اكتشفت قيادات التحالف الدولية أن الحرب بحاجة إلى جيوش برية. القصف الجوي، مهما تعاظم، لا يكفي ولا يشفي. أوباما لن يخوض حرباً. سيترك أمر الحرب البرية لخلفه في العام 2017. حتى ذلك التاريخ على الدول «المحاربة» أن تبحث عن جيوش من عندها، لقتال «داعش» برياً. هو يفضل حراسة «الستاتوكو» في المنطقة المشتعلة ومنع انتقال الإرهابيين إلى الخارج ووقف تمدّد «داعش» جغرافياً والعمل على تجفيف منابع التمويل، علماً أن التقرير الأميركي الأخير يشير إلى امتناع السلطة في المملكة عن التمويل، واستمرار التدفق من المجتمع السعودي، وهذا أمر لا تجرؤ المملكة على وقفه. فالوهابية تطيع السلطة، إلا في هذا.

الإعلام الأميركي يريد الحرب ويطالب بالمشاركة. أوباما يتذكّر وعده، يستعيد ما قاله عن حرب بوش في العراق، يرى ما ارتكبه التحالف في ليبيا، يعاين أخطاء غزو العراق وتفكيك جيشه ثم تسريحه، ولجوء بعض جنرالاته إلى «داعش». ويُصرّ على الحدّ الأدنى من التدخل، تاركاً لروسيا أن تتولى ذلك، فإذا غرقت في الوحل السوري، فرك يديه واستراح… الوزير كيري وجد الحل الأمثل للحرب: البحث عن قوات برية. وجاءه الصدى من باريس معدَّلاً قليلاً: «البحث عن قوات برية سنية» لقتال «داعش» السنية. وهكذا ترتسم صورة حرب فاشلة جديدة ومدمّرة لكل من سوريا والعراق. أين تجد قوات سنية؟

تركيا السنية مرفوضة، هي وعسكرها، من السلطات في كل من العراق وسوريا. جيشها مختص بقتال الأكراد. العدو الأول لأنقره هو «حزب العمال الكردستاني» ومَن يحتضنه. أردوغان يجد سنداً دولياً في ذلك. هذا الحزب موضوع على لائحة الإرهاب في واشنطن… هذه دولة سنية أُخرجت قواتها من المعركة. وهو ما يفرح تركيا، لأنه يصرفها عن واجب لا تريده، إلى «واجب» تسعى إليه: «منطقة آمنة» ومنع تمدّد أكراد سوريا على حساب «داعش»، والعودة إلى مربع المطالبة بإسقاط النظام.

السعودية، السنية الوهابية، مشغولة بحربها على اليمن. تساهم بعشر طائرات في «التحالف» الذي تقوده واشنطن، وتُرسل مئات الطائرات لقصف اليمن بأهله. هذه دولة أخرى معطلة عن المشاركة، ومرفوضة كذلك من قبل النظامين في العراق وسوريا، ومتهمة بتمويل قوات المعارضة المسلحة وتسليحها. وهذه «القوات» المعارضة سنية سورية، وليس فيها فصيل واحد يمكن الركون إلى اعتداله، أو إلى اعتباره مؤهلاً ليكون فصيلاً من الحرب، أو جزءاً من الحل. هذه القوات، هي «نصرة» معتدلة، وليست سورية معتدلة. وما يُقال عن هذه المنظمات يصيب «الجيش السوري الحر»، المبالغ في سنيته والمتواضع في إمكانياته.

من أين يأتي التحالف الغربي بقوات برية سنية لقتال «داعش»؟ لعله يفترض أنه سيفتح أبواب التجنيد لمن يلتحق بنواة هذه القوة، من بعض العناصر التي درّبتها أميركا ودعمتها، فتبخرت ولم يبق منها غير متطوعين أقل من أصابع اليدين… يا للسخرية! الذين دربتهم فضلوا الالتحاق بالمنظمات «غير المعتدلة»، الموسومة بالتكفير والأصولية.

روسيا تقوم بواجباتها الجوية جدِّياً. تحالفها أفضل من التحالف الدولي الفضفاض. رغبة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بتوحيد «التحالفين» غير ممكنة. دونها معطلات كثيرة. أي تحالف يمكن أن يجمع قوات روسية وتركية؟ لا يمكن التقليل من القيمتين الاستراتيجيتين اللتين تحتلانهما. روسيا الأقوى جواً، وتركيا الأمنع استراتيجياً. حدودها المشتركة مع سوريا واستثمارها للحرب فيها، يضعها مع روسيا على طرفَي نقيض. يكادان أن يصبحا عدوّين لا خصمين… هذه طعنة في مطلب توحيد التحالف الدولي. ثم، أي تحالف يجمع إيران والسعودية؟ الطرفان مشتبكان في اليمن، بحرب تكاد تعيد اليمن إلى العصر الحجري، وتخشى السعودية من انتقالها إلى أراضيها… يَد السعودية في سوريا قوية ونافذة وقبضتها في اليمن قاتلة. إيران كذلك، أين تلتقي مع السعودية؟ في سوريا؟ في العراق؟ هما في لبنان «المستقر» حتى الآن، لم يلتقيا… هذا إسفين في مطلب توحيد التحالف الدولي.

لا صدقية لهذه «الحروب» ضد «داعش». لن تتوقف الطلعات الجوية وعمليات القصف. وهي ليست ناجعة. وفي هذه الأثناء، ستصل يد «داعش» إلى حيث تشاء، وتضرب ضمن استراتيجية محددة: استدراج العالم إلى حروب أهلية في دوله، وإلى إرسال قواته للمنازلة في المنطقة. هزيمة السوفيات لم تكن في موسكو، بل في أفغانستان، وهزيمة الغرب، كما يروّج لها «داعش» ستكون في العراق والشام… بين الحدود القصوى لـ «داعش» والحدود الدنيا لدول «التحالفين»، يصير السؤال عن زمن الحرب محالاً. ستكون طويلة طبعاً.

إذاً: «داعش» لن يتغيّر. فهل المطلوب تغيير معالم الطريق، من خلال الفوز بالحل السياسي لسوريا؟

يقال: الحل السياسي في سوريا أصعب من الحرب على «داعش».

«مكانك راوح»… فأين أنتَ يا غودو؟