قد لا يكون ثمة رابط مباشر بين اغتيال الشهيد سمير القنطار في ضواحي دمشق، وتصفية قائد جيش الاسلام زهران علوش بعد ايام معدودات في الغوطة الشرقية، لكن ثمة «خيط رفيع» يربط بين هذين الحدثين ويشير الى سقوط «الخطوط الحمراء» بين القوى «المتصارعة» في سوريا، وهذا يؤشر الى مرحلة شديدة الخطورة لن تبقى حدود تداعياتها ضمن الجغرافيا السورية، وانما ستصيب «شظاياها» عموم «الجبهات المفتوحة» الساخنة «والخامدة» في ظل محاولة جميع القوى تحسين مواقعها وتحصينها بزيادة «اوراق القوة» قبل الجلوس على اي «طاولة» تفاوض مرتقبة.
هذا المشهد «الساخن» في المنطقة، لايبدو لبنان بمنأى عنه، ووفق اوساط ديبلوماسية في بيروت، فان الساحة اللبنانية ليست بعيدة عن هذه التطورات المتسارعة وهي عادة احدى «صناديق البريد» المعتمدة لتوجيه «الرسائل» وتسجيل «النقاط»، واذا كانت اسرائيل قد اختارت الاراضي السورية لتوجيه «رسائلها» الى حزب الله وايران، لابلاغ جميع الاطراف انها جزء من معادلة الصراع في المنطقة وفي سوريا، وتريد ان تحجز لنفسها مقعدا في اي تسوية يعد لها في المستقبل، فان استهداف زهران علوش جاء بمثابة «رسالة» واضحة بدلالاتها الى السعودية بانها مدعوة الى «التواضع» والذهاب بسقوف منخفضة الى مؤتمر جنيف3 والا فان معالم جديدة سترسم في الميدان وفقا لقواعد «لعب» جديدة.
هذه «القواعد» لن تكون الساحة اللبنانية بعيدة عنها، فاذا كان حزب الله معني باختيار التوقيت المناسب للرد على اسرائيل بعد اغتيال القنطار، فان الهجمة السعودية- الاميركية غير المسبوقة على الحزب ستزيد الامور تعقيدا ولن تسهل اي تسويات سياسية بحسب الاوساط، وهذا ما يفسر فشل مشاورات واتصالات «العيد» في إحداث أي خرق يُذكر على صعيد الأزمة الرئاسية. من يعرف حزب الله وطريقة عمله يدرك جيدا انه لا يذهب الى اي تسوية «تحت الضغط»، ومحاولات الرياض وواشنطن تغيير «قواعد اللعبة» من خلال محاولة التضييق الاعلامي والاقتصادي على الحزب ستفضي الى نتائج عكسية وتؤدي الى مزيد من تمسك الحزب بعدم منح السعودية اي ربح مجاني في بيروت بعد خسائرها المتراكمة في سوريا واليمن، وهذا يعني حكما عدم قبوله باي تسوية تمنح تيار المستقبل القدرة على العودة بقوة الى الساحة السياسية اللبنانية من «بوابة» التسوية الرئاسية سواء كان الرئيس المفترض سليمان فرنجية او ميشال عون، فالامر سيان لدى الحزب، اما الامر المهم بالنسبة اليه فيبقى الوصول الى تفاهم يراعي موازين القوى المحلية والاقليمية، والمتغيرات الهائلة في المنطقة والتي لا ترغب السعودية الاقرار بها.
وازاء ذلك، ترى تلك الاوساط ان لبنان يمر بمرحلة «رمادية»، فمع «انتكاسة» التسوية الرئاسية تبقى الساحة مفتوحة على شتى انواع المخاطر، لان انطلاق عملية «التصفيات» الجسدية في سوريا يشير الى تطور خطير في الصراع مع اقتراب موعد انطلاق المحادثات السياسية في نهاية الشهر المقبل، وعادة ما تكون المهل الفاصلة مليئة بالاحداث والتطورات غير المحسوبة، ومع كثرة «الطباخين» والمتضررين والمستفدين، ستكون الساحات مفتوحة امام «كباش» امني وعسكري غير محدود، وهذا ما يتطلب المزيد من الحذر وتحصين الساحة الداخلية من الاختراقات الامنية المفترضة، وهذا ما يفسر رفع الاجهزة الامنية لمستوى استنفارها، وزيادة التنسيق فيما بينها، فثمة من يتلقى ضربات موجعة لمشروعه السياسي في سوريا، ومن المنطقي ان يبحث عن ساحات اخرى للرد.
الامر الواضح، تقول اوساط في 8آذار، تصفية علوش حصلت في دمشق ومجالس العزاء فتحت في الرياض، وليس مهما طائرات من نفذت الغارات، فسواء كانت روسية او سورية، لا يعني الامر شيئا، المهم في الامر ان ثمة معلومة امنية توفرت وجرى استثمارها بقرار سياسي في لحظة مفصلية في سياق الحرب المفتوحة بين محورين في المنطقة، ومما لا شك فيه ان المحاولات السعودية للتخفيف من حجم النكسة الكبيرة التي تعرض لها ذراعها العسكري في سوريا، ليس الا من باب رفع المعنويات التي لن تغير من الوقائع كثيرا. غياب زهران علوش من المشهد ضربة موجعة، فالرجل كان يمثل «بوابة» السعودية للنفاذ الى الازمة السورية والتاثير السياسي والعسكري فيها، بعد نجاح حزب الله باقفال الحدود اللبنانية بوجه التنظيمات السياسية والعسكرية التابعة للسعودية، فقدت المملكة قدرتها على التاثير في الحرب السورية التي انتقل الثقل الاقليمي فيها الى تركيا المستثمر الاول في «داعش»، وقطر صاحبة اليد الطولى داخل «جبهة النصرة»، ولم يتبق للاستخبارات السعودية من خيار الا الاستثمار بـ «جيش الاسلام»، لحجز مكان لها على «الطاولة» بعد ان كانت «قاب قوسين» او ادنى من الخروج من المعادلة السورية.
الرياض تدرك جيدا ان الاغتيال يستهدف دورها في سوريا تؤكد الاوساط، وهي تدرك جيدا ان محاولات «تلميع» صورة التنظيمات «الارهابية» وتبييض صفحتها لا يقدم او يؤخر شيئا لدى الطرف الاخر، ثمة اجندة واضحة يجري العمل عليها «لتقليم» «اظافر» المملكة المصابة «بجنون العظمة» لاعتقادها بالقدرة على التحكم بمسار الازمات المشتعلة في المنطقة، يدرك متخذو قرار اغتيال علوش ان الامر لن يؤدي الى انهيار سريع «لجيش الاسلام»، ولن «يتبخر» قرابة خمسة عشر ألف مقاتل في الغوطة، ولن يتراجع هذا الفصيل عن التطرف، والتشدد، ولكن ثمة «انهيار» معنوي مؤثر للغاية سيترك الكثير من التاثير على نحو 100فصيل كان علوش قد نجح في جمعهم، وثمة سؤال سيبقى معلقا حول كيفية حصول الخرق الامني للدائرة الضيقة لقيادة «جيش الاسلام»، مما سمح بتعقبه وقتله مع كبار القيادات في التنظيم؟
وفي الشق السياسي تدرك السعودية الان ان ثمة مرحلة جديدة قد بدات على مختلف الجبهات من اليمن وصولا الى دمشق، فالقيادة السعودية تدرك جيدا معنى بدء «انصار الله» بارسال الصواريخ الباليستية الى عمق الاراضي السعودية، وتعرف جيدا معنى استهداف «رجلها الاول» في سوريا، وهي تاخذ بالكثير من الجدية تسريبات استخباراتية غربية عن قرار لدى «محور المقاومة» بالانتقال الى مرحلة الرد «بالضرب تحت الحزام» على استمرار سياستها الراهنة في معالجة الملفات الساخنة في المنطقة.
اذا «الرسالة» واضحة وهي دعوة «بالنار» لقيادة المملكة «للهدوء» وقراءة الاحداث بواقعية والتوقف عن «العبث» في المنطقة، فالحقائق الميدانية بعد الدخول الروسي كما تقول الاوساط، لم تعد كما كانت عليه من قبل، وكذلك تغيرت الامور كثيرا بعد قرار طهران زيادة مساهماتها العسكرية في الميدان السوري، ثمة معادلة جديدة جرى التفاهم عليها بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الاعلى للثورة الاسلامية السيد علي خامنئي، لا يمكن تجاوزها بسهولة، الدخول في اي تسوية يجب ان يراعي موازين القوى الجديدة، اما الاستمرار في «المكابرة» ودفن «الرؤوس في الرمال» فلن يغير من الوقائع شيئا بل سيؤدي الى المزيد من الخسائر السعودية وتقليص اكبر للدور والتاثير في المنطقة.
لا احد يريد الغاء دور المملكة، تقول تلك الاوساط، لكن عليها ان تقتنع بحجم دورها الذي تقلص كثيرا بعد فشلها في احداث التغييرات المطلوبة في بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، ومصلحتها راهنا في القبول بما يعطى لها الان قبل ان تخسر كل شيء في المستقبل، مقتل علوش الذي وافق ووقع على اجتماع المعارضة السورية في الرياض، «كسر ظهر» الاستخبارات السعودية وافهم من يعنيهم الامر ان ثمة مرحلة جديدة قد بدات، والحقيقة أن كل يوم يمضي في ظل العبث باستقرار سوريا يعني المزيد من «المفاجآت» غير السارة، ويعني المزيد من الخسائر، ومن يتابع تطورات الازمة السورية سيلحظ أن الدور السعودي هناك يتقلص يوما بعد يوم، وستضطر المملكة للبحث عن مخرج، عاجلاً أو آجلاً، والا فان احتمال التورط سيزداد وباثمان باهظة، هذا التواضع مطلوب ايضا في بيروت، والا فان الامور ماضية نحو المزيد من التعقيد، ولا شيء مضموناً في ظل «حفلة الجنون» القائمة.