< أتمنى تحييد الشعوب عن الخلافات السياسية، وإذا أجبرت ضرورات الأمن الوطني على اتخاذ إجراءات استثنائية مثل منع السفر والمكوث في قطر والتبادل التجاري وإغلاق الحدود بعد قطع العلاقات، فلا بد من إجراءات تتفهم أحوال أسر مختلطة ما بين السعوديين والقطريين، فهؤلاء لا ذنب لهم.
لقد اشتهرنا في الخليج بسياسة المجاملات، وهي من مشكلاتنا داخل البيت الخليجي والعربي، ولفهم الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضد الحكومة القطرية يجب العودة إلى عقود من الزمن منذ احتضان الدوحة قناة الجزيرة، بدأت القناة تبث تحت عنوان «قناة الجزيرة في قطر»، ثم تعدلت إلى «الجزيرة من قطر». وإنشاء القناة بسياستها المعروفة والمحترفة كان قراراً قطرياً يؤكد الاستهداف، فالقناة بخطابها شكلت صوت نشاز في البيت الخليجي، حتى لو كانت العناوين عن الرأي والرأي الآخر، لأن الرأي الآخر في واقع الأمر يجري انتقاؤه وتوظيفه لأهداف لا تخفى على المراقب.
مثلت «الجزيرة» سياسة وزير الخارجية الأسبق الشيخ حمد بن جاسم الذي كان في الواجهة ينافح عن ذلك التوجه ويراه أمراً سيادياً، وقد وجد الكثير من المناوئين لدول الخليج وللسعودية تحديداً العش الآمن في قناة الجزيرة إما مباشرة أو بالوكالة، ثم تفرع التوجه لحزمة من الأدوات الإعلامية وجد فيها عدد كبير من المسيسين العرب فرصتهم إما خدمة لحساباتهم الخاصة في اللعب على حبال السياسة أو خدمة لتنظيمات ودول، ولكل فترة محطة وخطاب، وهكذا لعبت الجزيرة دور المنبر لكل خصم سياسي يستهدف السعودية أو دولاً خليجية محددة.
فرض هذا الواقع على المشهد السياسي والإعلامي الخليجي والعربي لم يعنِ القبول به، إذ كانت الوساطات واللقاءات تخفف حدة الطرح أحياناً ليرتفع أحياناً اخرى إلى ان جاءت ثورات الربيع العربي وتعارضت سياسات دول الخليج مع سياسة الدولة القطرية بصورة مكشوفة في اكثر من ساحة. الإجراءات السعودية الخليجية الأخيرة هي ضد السياسة الخارجية لقطر وليست ضد الشعب القطري، وإن تضرر من بعضها، ومن الواضح بحسب بيان وزارة الخارجية السعودية ان هناك اتفاقات وتعهدات لم يتم الوفاء بها فلم يكن هناك بد مما ليس منه بد، وقرارات الدول تستهدف في المقام الأول أمنها الوطني، ولا أرى أن هناك خطراً على الأمن الوطني القطري من جاراتها الشقيقة، فالخطر من احتضانها ومسايرتها لمن لم تستفد منهم وأحدثوا ضرراً بالغاً بعلاقاتها مع الأشقاء.