Site icon IMLebanon

هرطقة قانونية تُفاقم الفوضى في «الحريري الحكومي»

 

الأبيض «يسحب» المقربين منه من المستشفى إلى الوزارة بشكل مخالف للأنظمة 

خلافاً للقانون، يُدير مُستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي الآن شخصان لا يتمتّعان بشروط تولّي وظيفتهما «المُشتركة». لم يسبق في «تاريخ» الإدارات، ربما، أن أدار مؤسسة عامة رئيس مفوض بالمهمة بطريقة غير قانونية ومُدير مفوض من قبل الرئيس المفوّض. هذه الفوضى القانونية والإدارية سترتدّ حكماً على المستشفى الغارق أساساً في فوضى إدارية عارمة، زادها سوءاً إقدام الأبيض على «نقل» موظفين من المستشفى وتعيينهم في فريقه الاستشاري بشكل مخالف للقانون

 

قبل يومين، زار وزير الصحة فراس الأبيض مُستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي و«طمأن» العاملين فيه إلى أن مساعي رفع رواتبهم شارفت على خواتيمها. الزيارة و«التطمينات» تعزّز الشكوك بأن الأبيض يواصل مهام «إدارة» هذا الصرح الحكومي المُستقل مادياً وإدارياً و«الوصاية الشخصية»، عليه. أكثر من ذلك، فقد أقدم الأبيض على «استعارة» عدد من موظفي المستشفى المقربين منه، و«نقلهم» إلى الوزارة من ضمن فريقه الاستشاري. ومن بين هؤلاء مسؤول الحوافز في المُستشفى (فئة ثالثة رتبة خامسة) نادر حطب، ومسؤول وحدة التحصيل (فئة ثالثة رتبة خامسة) باسم غانم الذي يواجه شكاوى أمام التفتيش المركزي والنيابة العامة المالية، وهو محسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي ويعدّ «وديعة» وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور في المستشفى. ويضمّ فريق المستشارين، أيضاً، رئيسة قسم محاسبة المرضى والصناديق في المُستشفى (فئة ثالثة رتبة ثانية مكسورة الفئة عقاباً ومنقولة من وظيفتها الأساسية إلى وظيفة تتلاءم مع الفئة الرابعة) إليسيا عريجي، والمحامي عمر الكوش المتعاقد مع المُستشفى لتقديم استشارات قانونية خلافاً للقانون (الوظيفة ملحوظة في ملاك المُستشفى ويمنع النظام العام للمؤسسات العامة في هذه الحالة التعاقد مع استشاري قانوني)، و«المستشار القانوني» السابق للمستشفى جورج يونس (أصدرت الهيئة العليا للتأديب القرار 7/2019 الذي أوصى إدارة المُستشفى بـ«الوقف الفوري لأي تعامل معه» لعدم استيفائه الشروط القانونية اللازمة لتسجيله في نقابة المحامين). أما الأهم، فقد ضمّ فريق المستشارين عضو مجلس إدارة المُستشفى سيدة عيد، في تجاهل واضح لمبدأ تضارب المصالح الناجم عن الجمع بين وظيفة في مؤسسة عامة لها استقلالية مالية، وبين مركز في سلطة الوصاية على تلك المؤسسة.

 

إلى ذلك، تثير عملية «النقل» هذه تساؤلات حول البدلات المادية التي سيتقاضاها هؤلاء من المال العام. إذ إن الاستقلال المالي والإداري للمؤسسة العامة يفرض عدم الاستمرار بدفع رواتب الموظفين أثناء تأديتهم خدمات للوزارة وحصولهم على مخصصات من الدولة لقاء تقديم استشاراتهم للوزير.

 

في المُستشفى اليوم رئيس مجلس إدارة مفوّض ومُدير مُكلّف من الرئيس المفوض بإدارته في الوقت نفسه

 

 

وتؤكّد مصادر قانونية أنه لا يحقّ للوزير «حتى لو كان وزير وصاية»، نقل موظفين من المؤسسة العامة إلى الوزارة، وأن هذا القرار «إذا كان يصحّ أصلاً، فمن المفترض أن يصدر عن إدارة المُستشفى. وهذا خطأ وقع فيه سابقاً الوزير أبو فاعور عندما نقل مسؤول وحدة التحصيل في المُستشفى إلى الوزارة من دون العودة إلى إدارة المُستشفى».

هذه الوقائع تأتي في «السياق الطبيعي» للفوضى التي تسود إدارة أكبر المُستشفيات الحكومية منذ أن تولاها الأبيض وفق سياسة «الأمر لي»، وتفاقمت بعد تعيينه وزير وصاية على المؤسسة التي كان يديرها بما يخدم سعيه للعودة إليها بعد انتهاء عمر الحكومة، على ما تقول أوساط إدارية في المُستشفى.

فمن الناحية القانونية، لا شيء يوحي حتى الآن بأن الأبيض ترك منصبه. إذ إن الاستقالة رسمياً تفرض تعيين مجلس الوزراء خلفاً له بموجب المادة 13 من نظام المؤسسات العامة (مرسوم رقم 4517 تاريخ 13/12/1972). لكن ما حدث فعلياً هو أن مجلس إدارة المُستشفى فوّض، بطريقة غير قانونية كونه لا يملك هذه الصلاحية، أكبر أعضائه سنّاً الدكتور جلال الناطور (قرار مجلس الإدارة 27/1/21 تاريخ 14/9/2021) مهام رئيس مجلس الإدارة والمدير العام، فيما يسمح القانون للأبيض بتفويض الناطور بعض صلاحياته فقط. أضف إلى ذلك أن الناطور، أساساً، يخالف شروط موقعه ووظيفته الجديدة (تولي الإدارة العامة) لناحية تجاوزه سن الستين عاماً وفق ما تفرض المادة السابعة من نظام المُستخدمين والمتعاقدين في المؤسسة العامة (المرسوم 7516 تاريخ 2/3/2002 ).

وبعد يوم واحد من تفويضه، أصدر الناطور قراراً بتعيين رئيسة مصلحة التمريض وحيدة غلاييني مُساعدة المدير العام لشؤون إدارة المُستشفى، على أن يوكل إليها «متابعة وإعداد القرارات الضرورية لحسن تسيير المؤسسة العامة ورفعها الى عضو مجلس الإدارة المفوّض بصلاحيات رئيس المجلس». بعدها بيوم، في 16 أيلول الجاري، عاد الناطور ليصدر قراراً تعديليّاً (044/2021) صحّح بموجبه «الخطأ المادي»، وقضى بتكليف غلاييني التي تواجه عشرات الشكاوى القضائية من ممرضين عملوا في المُستشفى بمهام الإدارة العامة، «ورفع جميع الاقتراحات للمفوّض بمهام رئيس مجلس الإدارة ــــ المدير العام ليُبنى على الشيء مُقتضاه».

وعليه، بات في المُستشفى اليوم، «بموجب هرطقات قانونية لا أساس لها» بحسب مصادر إدارية في المُستشفى، رئيس مجلس إدارة مفوّض بإدارة شؤونه، ومُدير مُكلّف من قبل الرئيس المفوض بإدارته في الوقت نفسه! وهذا «سيخلق حُكماً فوضى إدارية عارمة تنعكس على القرارات الإدارية والمالية للمُستشفى»، وفق المصادر التي سألت: «بتوقيع من سيُعتدّ لعقد نفقة أو لصرفها أو دفعها مثلاً؟»، مشيرة الى «مُشكلة حقيقية تتعلق بهوية المُفوّض بالتوقيع».

والجدير ذكره هنا أن غلاييني نفسها لا تستوفي الشروط التي تفرضها مهمة الإدارة العامة، فهي ليست طبيبة ولا مجازة في إدارة الأعمال أو الاقتصاد وفق ما ينصّ المرسوم 7515 تاريخ 2/3/2002 (نظام تحديد الشهادات العلمية والشروط الخاصة للعاملين في مُستشفى بيروت الحكومي الجامعي).