مع قدوم فصل الصيف، تعود المعاناة المتكررة باندلاع الحرائق العشوائية والتي تكبّد لبنان خسائر بيئية فادحة نتيجة عدم وجود المعدات اللازمة والمتطورة لمكافحة الحرائق. إهمال بسيط، وعدم القدرة على التدخّل بطريقة فاعلة كفيل بالقضاء على آلاف الهكتارات في لمحة بصر.
الأكثر حزنا اننا ما زلنا نكرر الخطأ والاهمال نفسه كل سنة، وكأن الحلول ستهبط بوحي سماوي وتمنع تصحّر لبنان وخسارته للثروة الحرجية عاما بعد عام .
كان التقرير العالمي الذي أصدرته منظمة «الفاو» بعنوان حالة الغابات في العالم لسنة 2007 « قد أكّد أن لبنان يعّد من البلدان المنكوبة على مستوى حرائق الغابات عام 2006 ، ولا بد من الاشارة الى انه بلغ اجمالي المساحة الحرجية المنكوبة في لبنان 3460 هكتارا في العام 2008.
دفعتني هذه الوقائع الى التحرك جدياً لاشراك القطاع الخاص لدعم الدولة في معركتها ضد الحرائق، وأنشأنا في 20/10/2008 برعاية معالي وزير الداخلية حينها زياد بارود جمعية «أخضر دايم « تألفت من المرحوم أنطوان شويري، نديم قصّار ، فادي فوّاز ، صلاح عسيران ، فادي صعب ، سوسن بو فخر الدين ، فيليب ابي عقل، بسكال سعد وربيع الشاعر.
وترأست الجمعية وكنت حينها رئيساً لجمعية الصناعيين اللبنانيين، وبدأنا الاتصال بكل الشخصيات السياسية والقطاع الخاص، وبدأنا بجمع التبرعات باشراف شركة KPMG حيث قمت مع اعضاء الجمعية بجولات مكوكية وتمكنا من جمع تبرعات بلغت أكثر من 15 مليون دولار اميركي منها 8 مليون دولار تبرّع بها دولة الرئيس سعد الحريري و3.9 مليون دولار تبرعت بها جمعية مصارف لبنان كما جمعنا من الهيئات الاقتصادية ومن شخصيات لبنانية واغترابية ، كما شملت التبرعات طلاب مدارس ومواطنين وهي لا تقل اهمية عن التبرعات الكبيرة كونها تأتي من وعي بيئي واصرار على تحقيق التغيير وعلى انقاذ غابات لبنان القيّمة والغالية .
بتاريخ 24/5/2009 وبعد مناقصة عالمية باشراف Bureau Veritas وقّعت بصفتي رئيس جمعية «أخضر دايم « على عقد شراء 3 طوافات من طراز سيكورسكي بقيمة اجمالية بلغت 13 مليون و857 دولارا اميركيا. تضمّن العقد صيانة الطوافات لمدة 3 سنوات وكذلك تدريب الطيارين التابعين لسلاح الجو، وتمّ دفع المصاريف منها اتعاب لشركات التدقيق ومصاريف اللجنة التي قامت بالكشف وغيرها ، وتمّ تحويل الباقي الى قيادة الجيش للصيانة .
سجلنا قصة نجاح للمجتمع المدني والقطاع الخاص وكانت افعالنا لدعم اقوالنا، ولكن الاحلام وحتى الانجازات تتحطم دائماً على أعتاب لبنان، فاليوم وبعد سبع سنوات على هذه المبادرة ، تقبع طوافات السيكورسكي على أرض المطار بسبب غياب الصيانة والتصليح وعدم وجود التمويل اللازم للحفاظ عليها واستخدامها، وهذا ما يُحزن القلب وخاصة ان لدى هذه الطوافات قدرة عالية على مكافحة الحرائق بفعالية وقدرتها على تخزين المياه تفوق 3 أضعاف الطوافات التي يملكها الجيش اللبناني .
يبقى السؤال لماذا هذا الاستهتار بتشغيل هذه الطوافات في ظل الحاجة القصوى اليها، وفي ظل التذرّع الدائم بعدم وجود معدات متطورة لمكافحة الحرائق التي تُحدث أضراراً مضاعفة بسبب التأخر في التدخل. واذكر هنا الحادث المؤسف الذي تعرض له معمل «جي بي آي» وبعده مصنع السجاد وغيره الكثير حيث اتى الحريق على كامل المعمل بسبب التأخر في التدخل ولو تمّ استعمال الطوافات لكانت الخسائر اقّل حتماً .
الحلول موجودة اليوم وتتطلب قرارا واضحاً بعدم التساهل بعد اليوم في معالجة هذا الموضوع الذي يمسّ بأرزاق المواطنين وببيئة لبنان التي لم تعد تتحمّل، ففي حين تقوم القيامة ولا تقعد على قطع كمية من الاشجار بسبب انشاء سد سيوّفر مياها لربع سكان لبنان و100 ميغاوات من الكهرباء ، نرى ان الصمت سيد الموقف حين نرى آلاف الهكتارات تضيع بالمجان .
يجب على الدولة ان تتحمّل مسؤوليتها في هذا السياق، عبر تأمين التمويل اللازم، وقد أعرب وزراء المالية مراراً على موافقتهم على التمويل، وخاصة ان المبالغ المطلوبة تعتبر تافهة مقارنة بالخسائر السنوية التي يتكبدها لبنان. فاذا تم بيع الطوافة الهدية من قطر وهذه لا تصلح الا لنقل الشخصيات، نستطيع تأمين مبلغ الصيانة لأكثر من عشر سنوات.
والأهم انشاء وحدة اطفاء الحرائق بالطوافات والمفروض ان تكون جاهزة 24/24 ساعة في كل ايام السنة وتستطيع ان تتحرك تلقائياً دون الحاجة الى سلم أوامر يمكن ان يعطلها.
الحلول ممكنة والمبالغ التي نتكلم عنها بسيطة جداً، اذا كانت النية موجودة، ولكن تتطلب المتابعة والاصرار، وفي هذا الموضوع لا مجال بعد اليوم للاستهتار، فالكلفة كبيرة على الجميع.
لقد آمن القطاع الخاص بضرورة التدخل والدعم، ولكن لا يجب ان ندع مساهمتهم تذهب سدى، وأود ان أوجه شكرا خاصا الى جمعية المصارف التي آمنت ودعمت هذا الانجاز، وأوجه تحية الى القطاع الخاص المنتج والى اللفتة الكريمة من دولة الرئيس سعد الحريري والأهم المبالغ التي تبرّع بها مواطنون عاديون ، ولكنني ذكرت دولة الرئيس والهيئات الاقتصادية لاننا في لبنان استبدلنا كلمة رجل اعمال بحوت مال وأصبح كل رجل أعمال حوت يأكل الجميع ولا يهمه غير ارباحه ومصلحته وهي صورة غير دقيقة وظالمة وحتماً لا تشمل كل رجال الاعمال، ومن الواضح ان وراءها من يسعى الى حرب طبقية .
فلنسجل انجازاً اليوم ، ولنبرهن اننا قادرون على تحقيق انجاز والحفاظ عليه، لا تضييعه كالعادة في زواريب البيروقراطية والفوضى الادارية الهدّامة، و«قلة الخصيّة»، عيب.