Site icon IMLebanon

حريق داعش وبيان الأزهر «الـمُسْتَنْكَر»!!

 

منذ صدر بيان الأزهر الشريف بالأمس، هبّت عاصفة هوجاء على مواقع التواصل الإجتماعي «متفجّعة» و»مصدومة» من نصّ البيان ـ وهذا خطأ ارتكبه الإعلام بعنوان مُضَلِّلٍ ومُجتزأ للبيان عبر تصديره عنواناً نارياً ـ على «قتل وصلب وقطع أيدي وأرجل» داعش وتابعيها، وسارع كثيرون لإلقاء شظايا طاولت الإسلام، وبيان الأزهر، لجهلهم بالإسلام وحدوده وشروطها أولاً، والمحزن أنّ من بينهم إعلاميّين زملاء كُنّا نصنّفهم في خانة المثقفين العارفين، فإذا بجهلهم يطغى على تعليقاتهم، حتى كدنا نظنّ أنّهم سيبكون رقّة على «داعش» على رغم جرائمها الوحشيّة، عندما سبقت تعليقاتهم وجوب قراءة بيان الأزهر الشريف!!

هي واحدةٌ من أكبر مصائب المسلمين وسواهم اليوم، هي جهلهم بالإسلام، فما نصّ عليه بيان الأزهر الشريف هو تحديد عقوبة استحقتها أفعال «داعش» بعد إحراقها الطيار الشهيد «معاذ الكساسبة» حيّاً، وللمناسبة شاهدتُ فيديو إحراق هذا البطلْ، ولا إجرام يفوق ما فعلته «داعش»، والأكثر همجيّة من فيديو إحراق الطيّار الأردني، هو ما كشفته أمس مصادر صحافية أن «الكساسبة» تم «حرمانه من الطعام لمدة خمسة أيام قبل إعدامه»، بـ»حكمٍ صدر عن أعلى المرجعيّات الشرعيّة في «داعش» قضى بموته جائعاً، ومُحرّقاً»!!

وبالعودة إلى بيان الأزهر الشريف والإعلام الذي أساء إلى البيان فحرّف منه مقطعاً أثار هذه العاصفة وهذا المقطع هو: «هذا العمل الإرهابي الخسيس الذي يستوجب العقوبة التي أوردها القرآن الكريم {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [سورة المائدة الآية 33]».

والجهل بالإسلام داء أصاب كلّ التنظيمات المتطرفة والإرهابيّة، وكذلك أصاب من يجهلون فقه الحدود في الإسلام، فالأزهر استند في بيانه إلى هذه الآية الشريفة لأنّها تنصّ على حدّ من حدود الله تضمّن مجموعة خيارات رأى الأزهر مشروعيّة إقامتها كحدٍّ على «داعش»، ولأنّنا نعيش في مجتمعات مدنيّة، لا في دولة خلافة كما تدّعي «داعش» و»النصرة» و»القاعدة» و»طالبان»، فإقامة الحدود معطّلة، والآية الشريفة نصّت على مروحة خياراتٍ هي «القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض» ويطلق على هذا الحدّ «حدّ الحرابة»؛ وإقامة الحدود في الإسلام لها فقهٌ ومفهوم وأقسام وأنواع وتشريعات ومشروعية وأحكام وجوانب هامة وما يتعلق بها والحكمة منها والوجوب له والاستناد له والمسنود منه والتوبة منه.

وفوق هذا وذاك؛ إقامة الحدود في الإسلام موكلة للحاكم أو من ينيبه، ولم يعرف في عصر التشريع ولا العصور الأولى أن قام آحاد الناس بإقامة الحدود، فالمطالع لأحاديث ووقائع إقامة الحدود يجدها تختص بالحاكم، سواء أكان الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان أحد الخلفاء الراشدين أو الولاة في البلاد، وعلى رغم امتداد رقعة الإسلام عبر العصور المختلفة لدولة الإسلام، فإنه لم يعرف قيام آحاد الناس بإقامة الحد، بل كان الولاة هم الذين يقومون بإقامة الحدود.

بل أكثر من ذلك، فبعدما قيّد الإسلام إقامة الحدود بضوابط عديدة، استدرك برحمته إقامتها بأحاديث لا لبس فيها، ففي صحيح الترمذي عَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها وأرضاها) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ»؛ وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ»، وفوق ذلك أيضاً لا بدّ من توافر شروط كل حد، وأهمها: التيقن من إقامة الحد، وأن الشبهة تنفي إقامة الحد، كما ورد في الحديث: «ادرؤوا الحدود بالشبهات».

والذين استعجلوا العاصفة بالأمس وسارعوا إلى تهشيم صورة الإسلام، لم يقرأوا أنّ بيان الأزهر طالب «المجتمع الدولي التصدي لهذا التنظيم الإرهابي الذي يرتكب هذه الأعمال الوحشية البربرية التي لا ترضي الله ولا رسوله»، وللمناسبة أليس ما تقوم به قوات التحالف هو نفسه ما استند إليه الأزهر الشريف كعقوبة لـ»داعش»، أليْس القصف الجوي هو «حدّ» «قتل» يُنفّذ بـ»داعش» وقادتها وجماعتها؟! أليْس «القتل الجويّ» خياراً من الخيارات التي نصّت عليه الآية الشريفة، إلا إذا كان البعض يُريد أن يتعامل مع «الوحوش البرابرة» بمنطق حقوق الإنسان؟!!