IMLebanon

نار مباشرة على حوار المستقبل – حزب الله!

لا رابط بين تفجير جبل محسن وإستهداف «شارلي»

بصرف النظر عن الشعارات التي تُرفع، في المناسبات التي تلي أو تسبق عملية تفجيرية، اغتيالية، إرهابية أو تكفيرية، أو ما شاكل من أعمال ومنعوتات، وأوصاف، دخلت القاموس السياسي والإعلامي والاجتماعي العربي، مع بزوغ فجر «الإسلام الحزبي» «المسلح» وانحرافات الجماعات ذات الطبيعة الفكرية، و«الجهادية» المبالغة في الغلوّ إلى حدّ التطرّف، أي دفع الأمور في النزاعات والاختلافات الى النقطة الأخيرة، إلى الطرف الحادّ، حيث لا عودة عن الموقف إلّا بقتل النفس، أو قتل أنفس الآخرين، أو القتل الجماعي، للأفراد المتعصبين، والعصابيين، والجمهور البريء، الذي لا ناقة له ولا جمل، في أيّ صراع أو نزاع، اللّهم، الانتماء الديني أو المذهبي أو حتى الجغرافي..

مناسبة هذا الكلام، التفجير الإنتحاري المزدوج ضد مقهى في جبل محسن، على بعد أمتار معدودة عن أحياء الفقر والحرمان والإهمال في «المنكوبين» والتبانة، حيث يتلازم الفقر مع «الجبل المنكوب»، وحيث تتلازم المعاناة، مع صراعات قديمة – جديدة، لا شأن للأهالي الطرابلسيين في أيّ منها أو في بعضها..

ولعلّه من المفيد الإشارة إلى أن الربط بين ما حدث لصحيفة شارلي ايبدو (Charlie Ebedo) الباريسية، الساخرة، وما حدث في المقهى الطرابلسي في «الحيّ العلوي» الشهير ليس في محلّه، سوى على ما صدر عن اللبنانيين في 8 و14 آذار من أننا كلنا «جبل محسن» على نحو التنغيمة الأوروبية، والفرنسية تحديداً، من أننا كلنا شارلي، أو أنا شارلي (Je suis Charlie) في موقف تضامني، تعبيري، يُعيد الاعتبار الى فكرة «التضامن الإجتماعي» في عالم يتغيّر فيه العالم، وتنعدم مسألة المجتمع إنعداماً يكاد يكون مدوياً..

والإشارة الثانية، الجديرة بالتسجيل، ما سبق ونُسب إلى المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم من أن المجموعات النائمة في «الخلايا الإرهابية» المنتشرة في أكثر من منطقة لبنانية، تستعد لتنفيذ عمليات هجومية، إنتحارية، حيثما تمكّنت من ذلك..

على أن القضية الخطرة، في هذا الموضوع، تتعلّق بمدى النجاح المستمر للأجهزة الأمنية اللبنانية، متعاونة، أو كلٌ يعمل بمفرده، وعلى طريقته، في الحرب الإستباقية ضد «الإرهاب»، وهذا النجاح ممكن للأسباب التالية:

1- تعرف القوى الأمنية، لا سيّما المعنية مباشرة أن «بنية الإرهاب» منعدمة في لبنان، وأن الجغرافية التي يمكن أن يأتي منها هؤلاء معروفة..

2- في سجلات القضاء والتحقيقات، ومذكرات التوقيف، والفرار من وجه العدالة، أسماء أشخاص مطلوبين، وملاحقين من قبل الأجهزة، وفي الوقت نفسه، بعض هؤلاء، هم من المنفّذين للأعمال «الإرهابية»..

3- كان من شأن تنفيذ الخطة الأمنية، أو الخطط الأمنية «وضع اليد» على أوكار تلك الجماعات، الصغيرة، أو المتكاثرة، وبالتالي، وضع تخطيط مستمر للمتابعة والملاحقة..

ومن المرجّح أن يكون ثمّة أسباب أخرى تعرفها الأجهزة الأمنية أكثر من سواها، على جبهة البحث عن تلك «الخلايا النائمة»، والمرشحة للقيام بعمليات إنتحارية، أو اغتيالات، في ظل الصراع المحموم والمحتدم في عموم الشرق الأوسط، لا سيّما على الجبهة الشرقية بين لبنان وسوريا، لا سيّما في منطقة القلمون..

المسألة في تفجير «جبل محسن»، تتعدّى التبريرات أو الإجتهادات، وتتّصل بخطط موضوعية، تستهدف في جانب منها الخطة الأمنية للشمال وطرابلس، على وجه التحديد، لكنها تنمّ عن منحى عدواني، مستفحل، ما دام أوار الصراعات في الشرق الأوسط، مشتعلة، على جبهات السلطة، والطوائف ومصالح النفط، وأسواق التصريف للأسلحة، والبضائع، واتخاذ بلاد «العرب والمسلمين» أمكنة مرشحة للتنفيس عن الأزمات الكبرى بين الغرب الرأسمالي في حلّته الجديدة ما بعد «النيوليبرالية» والشرق الروسي، الذي شعر أن الوقت حان للعودة إلى «مسرح الروليت»..

وبمعزل عمّا إذا كان منفّذا الهجوم على المقهى الطرابلسي في جبل محسن، ذي الأغلبية السكانية العلوية، استهدفا أحد المطلوبين أو المتهمين بتفجيري مسجد التقوى والسلام في طرابلس أم لا، وبمعزل عن أيّ اعتبار يتصل «بالثأرية» أو الإنتقام، في لعبة الحرب الجهنمية المفتوحة، فإن ما أعلنته «جبهة النصرة» من أن اثنين من عناصرها، نفّذا الهجوم على «جبل محسن» في مقهى تابع للحزب النافذ هناك (قُرئ أو كُتب إسم الحزب خطأ على «تويتر» النصرة)، يصبّ في سياق تلك الحرب المحتدمة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من مراحل الصراعات الدامية، حيث يرشح لبنان مجدداً، لأن يكون إحدى الساحات الملتهبة..

وإذا كانت الاجراءات الأمنية التي اتخذت لمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة، حدّت أو منعت حدوث أية انفجارات أو تفجيرات، في الضاحية الجنوبية لبيروت، أو في وسط العاصمة أثناء التجمعات لإحياء بداية العام 2015، فإن فترة الاسترخاء التي حدثت، سمحت لهؤلاء، باختيار اللحظة المناسبة، للضربة، في سياق «المخطط الجهنمي» إيّاه، و«جهادييه» المرشحين للموت، على أمل الظفر في «الجنة» في العاقبة الثانية؟!

والسؤال: هل ثمّة صلة للهجوم في جبل محسن على الحوار الدائر بين تيار المستقبل، وحزب الله؟ وهل التفجير يستهدف في «مكان ما» ما يتردّد عن تنفيذ ما تبقى من «الخطة الأمنية» في البقاع الشمالي، في أول جلسة ثالثة تُعقد بين الفريقين؟.

لا تختلف المحافل السياسية في ربط التفجير بأهدافه السياسية بضرب الحوار الدائر، أو في أقل تقدير التشويش على نتائجه، في لجم الاحتقان المذهبي بين السنّة والشيعة.

وإذا كانت القيادات السياسية الطرابلسية، أدانت بقوة، وبشكل لا يقبل التأويل الإنفجار، فإن أصوات التهدئة والتعقّل، لا سيّما من أبناء «جبل محسن» والاجراءات التي اتخذت على المستوى الأمني، والتحقيقي، فضلاً عن الخطوات الآيلة لتنفيس الاحتقان، إلّا أن التجربة، علّمت اللبنانيين، أن ما يُضمر شيء، وأن ما يُعلن شيء آخر..

وبالنتيجة، لا أحد يرغب بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن أجندة الحوارات، والمواجهات، تأثرت أو تتأثر بمثل هذه الاعتداءات، وتسمّم الأجواء، وتهيّئ المناخات لردود أفعال، تنتظر التوقيت، في حرب آخذة بالإتساع، على جغرافيا المحاربين أو المتورطين؟!