Site icon IMLebanon

النار المذهبية تلفح «الخاصرة» الإيرانية

ارتفاع منسوب «الفصام» في الخطاب الإيراني الرسمي والعسكري، يؤشر بوضوح الى عمق الأزمة التي يعيشها نظام الولي الفقيه في إيران. يومياً يصدر أكثر من تصريح لقائد عسكري من «الحرس الثوري» ومؤخراً من الجيش، يقلب الهرم رأساً على عقب مع الولايات المتحدة الأميركية. هؤلاء الجنرالات يهدّدون الجيش الأميركي بالهزيمة، ويتعاملون مع الأسطول الأميركي وكأنّه مجرّد زوارق حربية تواجه حاملة طائرات والمدمرات والبوارج الإيرانية. في هذا الخطاب يجري التركيز على أسر الزورق الأميركي وجنوده قبل أشهر، ويتناسون أنّ قرار الرئيس باراك أوباما، كان عدم الدخول في أي مواجهة عسكرية مهما كانت محدودة. في حين أنّ كل الاحتمالات ممكنة ومفتوحة على المجهول مع الرئيس دونالد ترامب وجنرالاته في البنتاغون.

الأدميرال علي فدوي قائد البحرية في الحرس الثوري قال أمام جمع من ضبّاطه: «يدرك الأميركيون اليوم جيداً أنهم لا يملكون أدنى قدرة

على الدخول في حرب عسكرية مع إيران»… لقد «تلقوا هزيمة عسكرية نكراء أثناء الحرب مع العراق». طبعاً لا يُحدد كيف ومتى تلقوا هذه الهزيمة. السؤال الطبيعي أمام هكذا «عنتريات»، هل هذا الأدميرال يستغبي جنوده وضبّاطه الذين يعرفون ويعيشون تفاصيل أسطولهم؟ أم أنه يجد في الصمت الشعبي موافقة على كل ما يقوله وباقي الجنرالات، علماً أنّ الرئيس حسن روحاني يتباهى بالتقدم العلمي والتقني، وهو أمر واقعي للشباب الإيراني، لذا فهو يعرف بدقّة الفرق بين أكبر بارجة إيرانية وأصغر بارجة أميركية، كما يعرف تفاصيل سلاح الجوّ الإيراني ورأس حربته طائرة أف-14 التي تُعتبر من خردة الطيران الأميركي.

هذا «التنمّر» الإيراني، يخفي قلقاً يتزايد يوماً بعد يوم، من «الترامبية». غياب موقف أميركي نهائي مترجم ميدانياً، يضيّع «البوصلة» الإيرانية. حتى الآن، لا يعرف الإيرانيون، والعالم ماذا يريد الرئيس دونالد ترامب وإلى أي مدى يمكن أن يصل في المواجهة، علماً أنّه من الواضح أنّ ترامب لا يكنّ الود لإيران، ولا يرغب بتمدّدها أو السكوت عن تمدّدها كما فعل باراك أوباما. ولا شك أنّ تشدد ترامب من الوجود (العسكري) الإيراني في دول الجوار زائد «حزب الله»، يضيف سبباً مهماً لكل القلق الإيراني.

المواجهة الإيرانية – الأميركية ليست الأولى. لكن ما يجعلها دقيقة وحتى خطيرة أنها تدور على وقع استحقاقات داخلية، منها ما يهدد بإشعال النار في الداخل الإيراني. إذ بعد أسبوع تدخل إيران في عطلة عيد النوروز التي تستمر بين عشرة وعشرين يوماً. وبعد خمسين يوماً تقريباً يحين استحقاق الانتخابات الرئاسية، في ظل غياب هاشمي رفسنجاني الذي كان دائماً «ضابط الإيقاع» لمنع تطرّف تيّارَي المحافظين المتشدّدين والإصلاحيين.

حتى الآن أيضاً لم يتم تعيين بديل لرفسنجاني في رئاسة «مجلس تشخيص مصلحة النظام» ولا جرى انتخاب بديل له في مجلس الخبراء. وما ذلك إلا لعدم وجود شخصية بمقامه ولصعوبة الوضع والقلق من توجهات الشارع الإيراني.

وما رفع منسوب خطورة هذا الاستحقاق أنّ إيران التي لم تعرف توتراً مذهبياً حتى الآن، تبدو وكأنّها تعيشه وتخاف منه. لقد رفض قادة إيران دائماً، أي كلام عن إمكانية خرق «النار» المذهبية المشتعلة في العراق وسوريا للحدود الإيرانية. إذ اعتبرت القيادة الإيرانية أنّها محصّنة في مواجهة هذه «النار»، لأنّ الإيرانيين وطنيّون. لذلك لم يعيروا اهتماماً بالتفكير في التداعيات الداخلية لتدخّلهم في العراق لمصلحة الشيعة ضد السنّة، ولا دعمهم للأسد في مواجهة المعارضات المسلّحة التي هي من نسيج المجتمع السنّي السوري زائد التطرّف «الداعشي» و«النصرة». هذا الوضع نقل التوتر تدريجياً الى الداخل الإيراني، وتحديداً في خوزستان والأهم في إقليم سيستان – بلوشستان والمنطقة الكردية.

ولأول مرة يتدفق المسؤولون الإيرانيون الى هذه المناطق للتأكيد بأنّ النظام يتعامل بالمساواة بين الجميع علماً أنّه في الأشهر الماضية جرى تعيين بعض الإداريين السنّة في مواقع عادية في حين كان ذلك غائباً طوال العقود الماضية من عمر الثورة. وقد بلغ القلق الرسمي من تحوّل الاعتراض الى معارضة في الأقاليم التي تعيش فيها الأقليّة السنّية أن الرئيس حسن روحاني «حذر بنفسه من مواجهة مذهبية». ولأول مرة أيضاً يزور وفد من علماء دين وطلبَة شيعة مدارس ومسؤولين سنّة في محافظة كردستان الإيرانية.

الجنرال بوردستان أعاد هذا التوتر المذهبي الى «الاستراتيجية الجديدة التي ينفّذها العدو عبر تأليب مذهب على آخر»، أما الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري فقد زار أئمّة الجبهة في زاهدان مركز محافظة سيستان – بلوشستان وقال أمامهم ما يكمن فيه التهديد في معرض القوة لأنّ هذه المحافظة تشهد اشتباكات مسلّحة: «إن الجمهورية باعتبارها قوة عالمية تدافع دوماً عن حقوق المسلمين ولا أحد يمكنه الصمود أمام قوّة إيران».

أسهل أسلحة المواجهة هي اتهام الخارج بالمؤامرة، علماً أنّ هذا الاتهام لم ينجح يوماً. عندما تكون الأسباب كافية لتمويل الإهمال وعدم المساواة إضافة الى زيت يمكن قذفه على النار الكامنة. من الطبيعي أن يكون الحل أولاً إيرانياً، في تحقيق المساواة في الوظائف العامة وفي الجيش بين الشيعة والسنّة. إلى جانب الاهتمام التنموي للمحافظات خصوصاً إقليم خوزستان، الذي جففت مياه نهر «كارون» الذي يمر فيه لمد محافظات أخرى بالماء.

أيضاً، وهو مهم جداً، عودة النظام الى الشعار الأول الذي رفعه الإمام الخميني «إسلامية.. لا سنّية ولا شيعية» وترجمته الأولى وقف التمدد العسكري الإيراني في العراق وسوريا الى درجة منح المتطوعين الأفغان الشيعة الذين يقاتلون في سوريا خصوصاً الجنسية الإيرانية العصية حتى اليوم على غير الإيراني.

دون ذلك، فإنّ ألسنة النار تلفح الخاصرة الإيرانية الضعيفة، وهي قادرة على حرق الأخضر واليابس، خصوصاً إذا ما أضيف إليها أي مواجهة مع الأميركيين مباشرة أو بالوكالة.