IMLebanon

«لبنان يحترق» للسنة الثانية بـ«نجاح كبير»!

 

من دون تغيير يُذكر، تكرّر في الأيام الماضية سيناريو «لبنان يحترق»، بنسخة شبيهة للحرائق التي اجتاحت لبنان قبل عام تماماً. عدا تغيّر أسماء المناطق، لا تزال الإمكانات اللوجستية على حالها، قاصرة عن مواجهة الكوارث في ظل إرباك في إدارة الأزمات

 

لا تشعر إنعام عواد بأن الحريق الذي أتى على منزلها في الدبية في ساحل الشوف حصل قبل عام. «أم علي» لا تزال «تحترق» منذ ذلك الحين. ليس قلبها فقط ما يشتعل قهراً على حاجيات وأثاث وثياب وذكريات التهمتها النيران، وإنما أيضاً عظام رقبتها وظهرها بعد احتراق الوسادة الطبية التي لم تستطع شراء غيرها بعد ارتفاع الأسعار. يومها، امتدّ حريق الحرج الواقع خلف منزلها في الطبقة الأرضية إلى كل تفصيل في يومياتها. السيدة التي تعتاش مع زوجها من دكان يقع في المبنى نفسه، فقدت كل شيء. ضيق الحال الذي ازداد مع ازدياد الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر صرف الليرة، أعاق قدرتها على استبدال كل ما فقدته. بمساعدة بعض الخيّرين والجمعيات الأهلية، رمّمت غرفتين من المنزل «من قريبو». وبـ«التقسيط المريح»، أصلحت النوافذ وطلت الجدران، لكنها لم تستطع إزالة آثار الحريق عن البلاط لارتفاع سعر تنظيفه، مدّها بعض الجيران بالثياب والأثاث. «الدولة» لم تكن من بين من أعانوها. جاء كثر «من البلدية إلى الجيش والدرك والهيئة العليا للإغاثة والجمعيات الأهلية… عبّأنا استمارات عدة أحصينا فيها حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بنا. وُعدنا بالحصول على تعويضات لا نزال ننتظرها».

 

في أحراج الدبية لا تزال آثار الحرائق حتى اليوم. لم ينبت الأخضر في الأرض المحروقة. هياكل أشجار واقفة في جميع الأنحاء كالجثث المتفحّمة، شاهدة على ما حصل وما قد يحصل في أي لحظة. «معرض الشجر المحترق» يمتد في أنحاء ساحل الشوف، من الدبية إلى مزرعة الضهر وجون إلى إقليم الخروب والناعمة. في تلال الدامور، امتدّ حريق الأحراج قبل عام إلى مقر جمعية «اركنسيال» لبيع الأثاث المستعمل. المبنى المؤلف من ثلاث طبقات، والذي كان مقصد محدودي الحال وهواة «الأنتيكا» والتصاميم القديمة، احترقت غالبية محتوياته. بعد عام، عرضت الجمعية أغراضاً جديدة في الطبقة الأرضية وسط الجدران المتفحّمة والأسقف المتهالكة.

 

«اللوحة السوداء» الأضخم لا تزال «معروضة»، منذ عام، فوق تلال المشرف. البلدة الصغيرة التي تتوسط ملايين الأمتار من الأحراج، لم تُطاولْها حرائق الأيام الماضية. يحبس بيار وجوليات نصر أنفاسهما من احتمال استعادة كابوس العام الماضي. باللحم الحي وبـ«إبريق» صغير، تسابقا لإطفاء الحريق الذي امتد إلى حقلهما بجوار منزلهما في المشرف. تدمع جوليات رغم مرور سنة على الواقعة: «ما زلنا معرضين في أي لحظة. لكن ما باليد حيلة». الفيلات والقصور في المنطقة، لم ينتظر أصحابها تعويضات الدولة. حالياً، ينشغل النواطير والعمال الأجانب في إزالة الأعشاب اليابسة على حدودها. لكن الجهود الفردية لا ترافقها جهود عامة. «شركة المشرف النموذجية» التي تضم تلك الفيلات، كانت قد لحظت استحداث مآخذ مياه لإطفاء الحرائق. لكن المآخذ لم تخضع للصيانة منذ فترة طويلة ولم تنفع في إطفاء حرائق العام الماضي، برغم توافر مصادر المياه. «يدنا على قلبنا منذ بداية الشهر الجاري تخوّفاً من تكرار كارثة العام الماضي»، قال رئيس البلدية زاهر عون. قبل عام، «كانت إمكانيات البلدية صفراً. اليوم، بعد أن تحولت المشرف إلى قبلة الاهتمام الرسمي والشعبي، ارتفع مستوى الإمكانيات إلى ما فوق الصفر بقليل»! يؤكد عون أن جمعيات قليلة هي من استمرت بالدعم والمتابعة بعد أن هدأت «الهبّة». إحدى الجمعيات واظبت خلال الفترة الماضية على تنظيف الأحراج واستحداث ممرات داخلها لتسهيل عملية التدخل والوصول إلى عمق الحرج في حال اشتعل الحريق. كما درّبت عدداً من أبناء البلدة على كيفية السيطرة على الحريق عند بدء حصوله لمنع تمدّده، بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني. في مقابل المتطوعين، جهّزت البلدية وسائل محدودة لمواجهة الحرائق المحتملة، وسيّرت دوريات مستمرة لمراقبة الأحراج من الحطّابين والمتنزهين. وتحسباً لموسم الحرائق المعتاد، عملت بلديتا المشرف وكفرمتى والبلديات المجاورة منذ نحو شهر، على تنظيف الأحراج وإزالة الأعشاب اليابسة من جوانب الطرقات. و«بتبرع من المقيمين في قرية المشرف النموذجية، اشترت البلدية صهريج مياه صغيراً للإطفاء واتفقت مع اثنين من أصحاب الصهاريج لوضعها بتصرف البلدية في حال وقعت الواقعة. وبما أن آليات الإطفاء التابعة للدفاع المدني لا تأتي إلا وخزانها خال من المياه، جهّزنا الآبار التي تمر في البلدة ضمن مشروع جرّ مياه الأولي إلى بيروت، بمولد والمحروقات لضخ المياه من دون انقطاع. فضلاً عن توظيف شخص لصيانة محطة الضخ». أما مآخذ المياه في القرية النموذجية، فقد «تعهّدت إحدى الجهات المانحة بصيانتها لأن البلدية غير قادرة بسبب ارتفاع كلفة تصليحها». يقر عون بأن تلك الإمكانيات قادرة على مواجهة حريق صغير. فماذا لو تكررت كارثة العام الماضي؟ «عسى ألا تتكرر، إذ أن أقرب مركز إطفاء للدفاع المدني إلينا في الدامور، يعمل منذ مدة بسيارة إطفاء واحدة لأن بقية الآليات معطلة. والحال نفسه في مركز الدبية المجاور».

عون وزملاؤه في البلديات المجاورة راسلوا وزارة الزراعة للترخيص بقطع الأشجار المحترقة والسماح للناس بالاستفادة منها في ظل ارتفاع أسعار المحروقات. الوزارة كشفت على الأرض المحروقة ولم تصدر قرارها بعد. في المشرف، زرعت البلدية نحو 1500شجرة صنوبر لتعويض بعض ما احترق. فيما المطلوب، بحسب عون، دعم الوزارة لزراعة الشجر البديل الذي يقاوم النار وينبت مجدّداً كالخروب والغار والسنديان.

 

الدفاع المدني يعتذر: آلياتنا معطلة

لم يكن حال رؤساء بلديات صور وبنت جبيل والنبطية ومرجعيون وعكار والقيطع والمنية في اليومين الماضين أفضل من حال زملائهم في بلديات ساحل الشوف العام الماضي. نسخة حرائق 2020 تركزت في الجنوب وعكار. لكن النتيجة واحدة. واجه الأهالي النيران التي هددت منازلهم وأرزاقهم باللحم الحي وبالإمكانيات المحدودة.

رئيس مركز صور في الدفاع المدني علي صفي الدين اعتذر السبت من المحاصرين بالنيران لأن الآلية الوحيدة الصالحة في مركز صور تعطلت، لتنضم إلى الست التي تعطلت تباعاً وتنتظر موافقة وزارة الداخلية والبلديات على التوقيع على عقد صيانتها. صرخة صفي الدين لاقتها صرخات عدد من زملائه من رؤساء مراكز الدفاع المدني في المناطق التي تعمل جزئياً بسبب تعطل آلياتها. «الأخبار» راجعت مديرية الدفاع المدني، من دون الحصول على إجابة، لأن مديرها العميد ريمون خطار مسافر خارج البلاد، فيما مكتب الإعلام يقفل أبوابه يومي السبت والأحد.