تحديد الخسائر ينتظر موعد إخماد النيران
سواء كانت الحرائق مفتعلة أم لا، فالكارثة وقعت والغابات احترقت، والمشهد ليس بجديد على عكار أو على مناطق أخرى، فلطالما تكرّر لا سيما في مثل هذه الأيام من الصيف. لكن ما يزيد الطين بلّة أن لبنان دولة من ورق، ليس فيها أي مقومات للحياة ولا لشيء. في كل دول العالم تندلع الحرائق، بيد أن تلك الدول مجهّزة بأدوات ومعدات الإطفاء وكل أشكال التعامل مع الكوارث؛ لكن ما بالك في بلد لم يعد لديه مازوت لتشغيل آليات الدفاع المدني؟
وبالعودة إلى الحريق الذي التهم مساحات شاسعة من غابات عكار في القبيات وأكروم ومناطق أخرى، فإنه كان من أضخم الحرائق التي تشهدها المنطقة، وجهود فرق الدفاع المدني والطوافات التي حضر جزء منها من سوريا وقبرص للمساعدة، بالإضافة إلى فرق دفاع مدني فلسطينية ومن مختلف المناطق اللبنانية، لم تتمكّن، وعلى مدى يومين، من السيطرة على الحريق الذي تحوّل حرائق في أكثر من منطقة ومكان، مستعينًا بسرعة الرياح التي كانت تشدّ من أزر النيران وتسعّرها.
مناشدات الأهالي في مناطق الحرائق دفعت العديد من الناشطين من أبناء عكار وخارجها الى التدخل والتوجه صوب أماكن الحريق من أجل المساعدة في إخمادها. إنه الصيف الأسوأ الذي يمر على عكار في تاريخها ربما، فالمنطقة التي تنام على العتمة منذ مدة، كل شيء فيها مطفأ إلا نيران حرائقها. على أن ما قام به الدفاع المدني في المناطق، وبالرغم من ضعف الإمكانات يستوجب بأقصى سرعة إعطاء هؤلاء المتطوعين حقوقهم بالإضافة إلى تزويد هذا الجهاز بكل المعدات والآليات اللازمة، ليتمكّن من التعامل مع أي حريق بجهوزية تامة.
الحريق الذي حصل فضح الدولة المهترئة أصلاً التي لا تملك طائرات لإطفاء الحرائق، ولا تملك معدات مجهزة وعناصر الدفاع المدني فيها من دون حقوق. دولة الهبات والمعونات هذه، التي تحتكرها سلطة عاشت على الهبات الخارجية وسرقتها. إنها دولة فاشلة لا تقدر على تأمين المازوت لآلياتها، فكيف بها ستتعامل مع حرائق واسعة وضخمة من هذا النوع؟
وبانتظار موعد إخماد النيران حتى يتم تقدير خسائرها، يتوجب على الأجهزة الأمنية المختصّة القيام بالتحقيقات اللازمة، لمعرفة سبب اندلاع هذه الحرائق بهذا الشكل، وفي حال وجود ما يثبت أنها مفتعلة فالمحاسبة ضرورية، وإلا فإن الأمر سيتكرر وفي أكثر من منطقة لكي لا يبقى في عكار أي حرج أو شجرة مع دخولها في موسم الشتاء. فالجميع يعلم أن أهالي المناطق العالية يعتمدون بشكل أساسي على مادة المازوت للتدفئة ومع ارتفاع أسعار هذه المادة وندرتها، فلا شك أن الأحراج بأشجارها المعمّرة ستكون هدفاً هذه المرة بشكل واسع، وليس كما كان يحصل في السابق؛ من أجل تأمين حطب التدفئة لهذا الموسم.
أما في أسباب اندلاع الحرائق تلك؛ والتي لامست منازل عدة وأدت بالعديد من العائلات إلى النزوح منها خوف، فهناك أكثر من وجهة نظر حيالها. فالحرائق تحصل إما من خلال الرعاة الذين يحرقون الحشائش اليابسة في حرج ما حتى تعود الأعشاب وتنبت فيه من جديد، وإما من خلال رمي بعض المتنزهين مواد مشتعلة أو سجائر فتعود النيران وتشتعل بمساحات أكبر، وإما أن تكون بفعل فاعل. وكائناً ما كان السبب، فإن الأمر أيضاً يفضح من جديد غياب البلديات العكارية واتحاداتها، لا سيما في المناطق التي شهدت الحرائق، عن الإهتمام بهذه الثروة الطبيعية وحمايتها، إذ لم يتبقّ لعكار إلا هذه الثروة الطبيعية، ومن دونها تصبح المنطقة خالية من كل شيء؛ من الدولة ومشاريعها ومن الطبيعة وكنوزها أيضاً.
وإلى جانب حريق القبيات – أكروم، ثمة حريق شبّ بين بزال وقبعيت. وبينما معلوم أن الطقس الحار يساعد في اتساع رقعة الحرائق وتمددها، ثمة مخاوف من أن تكون موجة الحرائق هذه والتي كان لها مثيلاتها في مناطق أخرى لبنانية، مفتعلة كتلك التي حصلت قبل ثورة 17 تشرين 2019 وتلاها اندلاع الثورة بأيام. بعض العارفين بالتاريخ اللبناني يقولون أنه قبل كل انفجار اجتماعي هناك حرائق تسبقه. فهل اقترب موعد الإنفجار الإجتماعي الكبير؟ وهل يعيد التاريخ نفسه؟