سريعاً تأمنت المواعيد في المقار السياسية والروحية لجولة الرباعي «البرتقالي» الموفد من الجنرال للقاء القوى السياسية. القائمة طويلة ولا تستثني أحداً، سواء كانوا من الخصوم أو الرفاق أو ممن يُصنَّفون «نص نص». والبداية كانت مع المسيحيين، وطبعاً لهذا الأمر حساباته.
وسيتولى وفد آخر استكمال الجولة، التي يفترض أن تنتهي يوم الأربعاء، بعد أن تكون قد أكملت دورتها للخروج بخلاصة واضحة للتفاعلات التي سيبديها أصحاب الشأن ربطاً بمبادرة العماد ميشال عون الرئاسية.. على أن يقول الرجل من بعدها كلمته الأخيرة.
الهدف من هذه اللقاءات هو إيداع المبادرة وشرحها في العمق، ليس فقط في عناوينها وإنما في الآليات الدستورية الممكن الركون ليها لتطبيق أحد بنودها، مع أنّ الجنرال أطلقها في الفضاء السياسي ليسمع الجميع، ويراجعوا مواقفهم. ولذا لا بدّ من قرع الباب لأخذ الجواب.
عملياً، ما أدلى به رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» من دارته وبحضور «طاقمه السياسي» لم يكن استثنائياً. سبق له أن طرح بعضاً من هذه الأفكار «بالمفرق»، في محاولة منه لاختراق الجمود الحاصل في الاستحقاق الرئاسي وغسل يديه من تهمة التعطيل. لكن الانتقادات غلبت الكلام الطيب، فدُفنت تلك الأفكار في مهدها.
ولهذا تركزت المشاورات في بكركي ومعراب وبكفيا على الآليات القانونية الممكن الاستعانة بها لتحقيق الغاية من المبادرة، في حال كسر التوافق الاصطفاف القائم بين فريقيْ النزاع، بعدما بدا أن الترحاب هو السمة الغالبة على ألسنة المضيفين.
لكن أبرز ما لم يُقل خلال هذه الجلسات، وهي الرسالة التي أراد الوفد إيصالها بـ «الإيماء» وليس بالكلام، هو أنّ المبادرة لا تهدف الى القفز فوق الدستور أو نسف «الطائف» أو الانقلاب عليه، «لا بل تستظل أحكامه وحتى حَرفيته». وقد لا تضطر حتى الى إجراء أي تعديل دستوري لتنفيذ أحد بنودها، وذلك خلافاً لبعض المناخات التي أشيعت خلال الأيام الأخيرة والتي تحدثت عن سيناريو كتابة ورقة النعي لـ «وثيقة الوفاق الوطني» بحبر برتقالي.
أما الخلاصة التي سجلها الوفد في اليوم الأول من الرزنامة، فقد بدت إيجابية بالنسبة له. يكفي أن لا يكون للرفض أي مكان في كلام المضيفين، أي البطريرك بشارة الراعي والرئيس أمين الجميل وسمير جعجع، حتى يسجل العونيون انتصارهم الأول.
فسيد بكركي يؤيد المبادرة إذا كان بمقدورها أن تزيح «فخامة الشغور» عن كرسي الرئاسة. فيما الرئيس الجميل لا يمانعها، وإن كان لديه رؤيته لبلوغ «غايتها»، وهي بند خامس أضيف الى المبادرة.
ولكن ما بدا لافتاً هو الانفتاح الذي أبداه جعجع على المضامين، وهو الذي سبق له أن صوّب على المبادرة السابقة التي أطلقها عون والداعية الى انتخاب رئيس من الشعب.
قد يكون لورقة النيات دورها هنا في تليين موقف «القوات» أو حتى إحراج «حكيمها» ومنعه من الاصطفاف في خندقه الطبيعي، لا سيما أنّه يبصم في «الورقة» المعدة مع «التيار الوطني الحر» على بند انتخاب رئيس يمثل طائفته. ولهذا كان الترحيب من جانبه جلياً على العنوان العريض، أما التفاصيل فهي وحدها كفيلة بكشف النيات. وهذا ما قد يفتح نافذة خلاف بين «القوات» و «المستقبل» حول كيفية التعاطي مع هذه المبادرة، لا سيما أنه من المتوقع أن لا يكون اللقاء مع الرئيس فؤاد السنيورة على شاكلة لقاءات الأمس.
بالنسبة للعونيين، إنّ مجرد تفاهم الأقطاب المسيحيين على مبدأ انتخاب رئيس قوي وفق المواصفات التي تريدها المبادرة، فهذا يعتبر خرقاً ولو بسيطاً في جدار أزمة الرئاسة. تفاهم عريض قادر على إسكات الأصوات التي تحمل المسيحيين مسؤولية الشغور والتعطيل الرئاسي بسبب خلافاتهم المتجذرة في التاريخ وحول المستقبل.
إلا أنّ الخشية هو أن يكون هذا الخرق البسيط هو مجرد «مقويات» للقاءات أخرى.. سرعان ما سيزول مفعولها.