على وقع استمرار الملفات الخلافية المتفجرة، العالقة في عنق زجاجة البحث والمشاورات بين المقار الرسمية والقيادية، واصطدام افق المعالجة والوساطات بجدار «الممانعة والرفض» من قبل المعترضين، ما يفتح الباب على كل الاحتمالات في ظل تكتيكات التعطيل الشامل المنتقل بين المؤسسات الدستورية من بعبدا مرورا بساحة النجمة وصولا الى السراي .
ومع ان رئيس الوزراء تمام سلام العائد من القاهرة يلتزم التحفظ الشديد في تعامله مع هذا المناخ، فان اوساطاً متابعة لحركة الوساطات اعربت عن اعتقادها ان لا إنفراجات في المشهد السياسي المأزوم في المدى المنظور، رغم الانطباعات السائدة، تؤكد اوساط وسطية ان ايا من الاطراف لن يستطيع تحمل تداعيات تعطيل وشل الحكومة، التي جاءت على متن قارب اقليمي ولن ترحل الا بقرار اقليمي، وخطورة تداعيات ذلك على كل المستويات الداخلية والخارجية، في ضوء المواقف التي يتخذها السفراء العرب والأجانب المعتمدون في لبنان ، والذي ستترك تأثيرها على علاقة لبنان بالخارج، وعلى المساعدات المقدمة للدولة اللبنانية، خاصة تلك المتعلقة بوضع النازحين السوريين.
وتوقفت الاوساط في هذا الاطار امام جملة من الاشارات اللافتة في المضمون والشكل، لعل ابرزها:
– تأكيد الرئيس ميشال سليمان ان الحكومة ستستمر «بيلي بقيوا» طالما ان الميثاقية والنصاب مؤمنة، وسط معلومات عن عزم وزراء «اللقاء التشاوري» الذي يضم الكتائب والمستقلين مطالبة الرئيس سلام بعقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء لبحث كل المواضيع المطروحة، تأكيدا على رفض تعطيل عمل الحكومة.
– تريث سلام في اتخاذ هكذا قرار افساحا في المجال امام الوساطات وعدم رغبته في «كسر الجرة» او الدخول في تحد مع اي من الاطراف المعترضة.
– تسوية على خط بكركي-عين التينة-كليمنصو، تقضي بدعوة سلام الى جلسة في الفترة الممتدة بين نهاية حزيران ومنتصف تموز، يجري البحث في مخارجها، على ان يحدد الاخير جدول اعمالها المفترض انه من الجلسة الاخيرة ، حيث يطرح في بدايتها وزيرا التيار الوطني الحر ملف التعيينات على المناقشة ، واذا لم يحظ بالتوافق يرجأ لمزيد من البحث والمعالجة، ولم يحسم النقاش بعد في ما اذا كانت الجلسة تستمر لبحث بنود جدول الاعمال ام ترفع.
– ابلاغ مسؤول دولي معني بالملف اللبناني المسؤولين اللبنانيين أن اتصالاته الاقليمية بخصوص الاستحقاقات اللبنانية لم تثمر ما من شأنه تبريد التفاؤل بحل للاستحقاق الرئاسي قبل تسوية ازمات المنطقة ، ناصحا بإبقاء الحكومة عاملة بوصفها القناة الرسمية الوحيدة في البلد للتواصل مع العالم، لافتا إلى وجود جدول لزيارات مسؤولين دوليين للبنان قد علّق بسبب الشلل الحكومي.
– قرار باريس بوقف مساعداتها الى لبنان بدءا من الوزارات التي يشغلها وزراء الوطني الحر ، حيث ابلغ السفير الفرنسي باتريس باولي صراحة وزير التربية الياس بو صعب عن وقف المساعدات الفرنسية المقدرة بـ 49 مليون يورو والمخصصة ، مع تحويلها الى دول اخرى.
– تأكيد مصدر ديبلوماسي ان ما سرب من كلام لنائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، خلال التقرير الذي أرسله السفير اللبناني في موسكو الى وزارة الخارجية في 11 الجاري ويتضمن محضر إجتماعه مع بوغدانوف، ليس إلا استنباطا لتوجه روسي بتفضيل التوصل الى مرشح توافقي.
-قرار وزير الدفاع الوطني بتأجيل تعيين مدير جديد للمخابرات في الوقت الحالي ، حيث يجري العمل على انضاج صيغة جديدة على قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم».
– صرخة الهيئات الاقتصادية التي حذرت في اكثر من اجتماع مع رئيس الحكومة من مواجهة لبنان كارثة اقتصادية تتمثل بعدم قدرته على تصدير انتاجه الزراعي من فاكهة صيفية التي ستشهد كساداً، نظراً الى عدم قدرة السوق المحلي على استيعاب الكمية المنتجة، وتهديدها باللجوء الى الشارع مقابل الشارع.
تبعاً لذلك أشارت الأوساط الى ان هذا الاتجاه سيؤدي حكماً الى تبريد التوتر والتصعيد ما دام تطويل فترة تعليق الجلسات سيرتّب نتائج سلبية للغاية على الفريق المعطّل، اذا مضى في خطوات تصعيدية أوسع، في ظل تريث العماد عون عن إطلاق تحركات شعبية لأنصاره تحت شعار الاحتجاج على تهميش المواقع المسيحية في الدولة، والتي كان بدأ التحضير لها ببرْمجة زيارات أسبوعية لوفود من أنصاره الى الرابية، نتيجة عدم حماس الحلفاء لهكذا فكرة في هذه الظروف الحساسة أمنياً واجتماعياً، خوفا من ان تؤدي الاتجاهات التصعيدية على الأرض الى خروج الوضع عن الحسابات الدقيقة التي تمليها عملية الحفاظ على الاستقرار بحدوده الدنيا، وخصوصاً ان شهر رمضان قد يحمل تطورات ومفاجآت أمنية لا تخفى عن الأجهزة الامنية الرسمية، ولا عن القوى السياسية، وتحذير جهات معنية من يهمه الأمر بأن أي تحرك شعبي باتجاه القصر الجمهوري بداعي تحريك الملف الرئاسي ممنوع، لأن الوصول الى هذا المقر الرسمي خط احمر.
رغم صعوبة الجزم بما ستؤول اليه المساعي الوسطية ، يسود الاعتقاد بان البلاد ذاهبة نحو تطبيع واضح ، بانتظار ايجاد المخرج الملائم لملف التعيينات العسكرية بعيدا عن التحديات المتبادلة ، في ظل رهان واضح على موقف رئيس مجلس النواب الرافض حتى الساعة الذهاب الى نقطة يصعب الرجوع عنها.