اليومُ الأول من نيسان، إنه يومُ الكذبة، لكن السياسة حقيقية وواقعية، وإنْ كانت فيها أكاذيب كثيرة، لكن هذه الأكاذيب لا تُلغي الوقائع والحقائق. ففي السياسةِ، السيئُ سيئُ والحسنُ حسنٌ، وفي السياسة الخطأ خطأ والصواب صواب، وعليه فحتى في الأول من نيسانِ فإن الأكاذيبَ لا تُلغي الحقائق:
من الحقائق اللبنانية أن الوطنَ حقيقةٌ، لكن أداء السياسيين كذبة.
ومن الحقائق اللبنانية أن الشعبَ حقيقةٌ، لكن الدولة كذبة.
ومن الحقائق اللبنانية أن المعاناة حقيقةٌ، لكن الوعود كذبة.
تجمَّعت في اليوم الأخير من شهر آذار جملة من الحقائق والوقائع والوعود والأكاذيب، إلى درجة أن اللبناني بدا في حيرةٍ منها وكادَ لا يميزُ بين ما هو حقيقةٌ وما هو أكذوبة.
الحقيقة الأقسى هي أن لبنان بسياسييه ومسؤوليه ما زال جالساً على قارعةِ الإنتظارِ ورصيف الفرجة على رغم كل التطورات المتسارعة والعواصف المتصارعة في المنطقة، والتي يُخشى أن تُسقِط حدوداً وتمزق خرائط.
لبنانُ اليوم يتنقَّل سياسيوه بين مناسبةٍ ومناسبة واحتفالِ وآخر وندوةٍ وأخرى، وكأن البلدَ لا يمرّ بظروف عصيبة، فيما أحجار الإدارات تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، في اتجاه الفراغ الكبير.
من المشاهِد الكاريكاتورية المعتادة في لبنان أن المآدبَ تطغى على الإجتماعات، واللقاءاتُ تطغى على الجلسات والكلام المنمِّق السطحي يطغى على الكلام العميق، فيما الأحداثُ الكبيرة تدور من حولهم وهُم لا يملكون أي جواب على أي سؤال:
مَن منهم، على سبيل المثال لا الحصر يملك جواباً واحداً عن الإستحقاق الرئاسي؟
ومتى سيتم ملءُ الشغور في الموقعِ الأول في البلد؟
المؤسف أن لا أحدَ يملك الجواب، بمَن فيهم المسؤولون الذين شاركوا في ثلاث قمم في أقل من شهر ويُفتَرض انهم التقوا قادة عرب واثاروا معهم ازمة الرئاسة اللبنانية، لا بد انه سألهم. أليس الأجدى والأجدر أن يُعلِنوا للرأي العام ما سمعوه من اجوبة؟
ففي آنٍ واحدٍ إنفجرت في وجه المسؤولين جملةٌ من الملفات، فالملف الأول كان ملف العسكريين المخطوفين، الذي كاد أن يصبح منسياً، وهذا الملف مفتوحٌ على كل الإحتمالات والتوقعات والتصعيد حيث أنه، وعلى ما يبدو، عادت الوساطات والمفاوضات إلى النقطة الصفر، وعليه فإن هذا الملف يمكن أن يؤثِّر على الأوضاعِ الميدانيةِ، خصوصاً ان أهالي العسكريين تلقوا وعوداً، لكن يبدو ان هذه الوعودِ بقيت من دون مصداقية.
هكذا البلدُ ينتقلُ من محطة إنتظار إلى محطة إنتظار أخرى، ويتجاوز الإستحقاقات الواحد تلو الآخر، لكنه يبقى محكوماً بالأَحمال الثقيلة، وفي مقدَّمها حِمل سلسلة الرتب والرواتب، الذي يبدو أنه سيملأ شهر نيسان، خصوصاً بعدما بدأت هيئةُ التنسيق النقابية إستعداداتها للتصعيد، الذي سيبلغُ ذروته منتصف هذا الشهر مع تنقل السلسلة بين مجلس النواب ومجلس الوزراء، فهل هي مصادفة أن يشتعل هذا الملف مجدداً مع إقتراب الشهرين الأخيرين من إنتهاء العام الدراسي، لنعودَ مجدداً إلى نغمةِ الإفادات بدل الشهادات؟
هكذا البلد يعيشُ على هذا المنوالِ من التأجيل في كل شيء، إلا تراكم الإستحقاقاتِ، فهذه المراكمةُ لا تؤجَّل!