مبادرة بري تفرز «الألوان السياسية»
هل تحصل المعجزة وتتجاوب القوى السياسية مع مبادرة الرئيس نبيه بري وخريطة الطريق التي رسمها لبلوغ حل يعيد دوران عجلات الدولة رئاسياً ومجلسياً وحكومياً؟
أهمية مبادرة بري تكمن أساساً في مخارجها الثلاثة نحو الحل الرئاسي، وتكمن ايضا في انها توقف مسلسل الثرثرة على طاولة الحوار، وتشكل جسر عبور من مرحلة الاقوال الى حيّز الأفعال.
وما يعطي المبادرة دفعاً اضافياً، في رأي معنيين بها، انه ما بين بدء الحوار الوطني في 9 أيلول من العام الماضي وأيار الحالي، تسعة أشهر من الأخذ والرد والنقاشات المستفيضة حول اصغر الأمور وأكبرها، وبالتالي هي مرحلة حمل طبيعي و «صار وقت الولادة».
لكن لا يبدو ان الولادة وشيكة، والمخاض الحقيقي لم يبدأ بعد، خاصة أن أولى ارتدادات مبادرة بري انها فرزت الألوان السياسية بين:
ـ فريق يريد تفصيلها على مقاسه.
ـ فريق يرى مصلحته في جانب منها (سليمان فرنجية ووليد جنبلاط).
ـ فريق يقابلها بالاعتراض لمجرد الاعتراض في انتظار ان تتبلور الصورة الإقليمية والدولية.
ـ فريق يعتبرها قفزة في المجهول، اذ لا يجوز في رأيه أن تُجرى الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس الجمهورية لأن البلد يدخل في فراغ كبير، فبعد اجراء الانتخابات تعتبر الحكومة مستقيلة وتصبح حكومة تصريف اعمال، فكيف سيعاد تشكيل الحكومة وكيف ستتم الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس الحكومة؟ بهذه الحالة نكون بفراغ رئاسي فيضاف اليه فراغ حكومي (المستقبل ونواب السنة).
ـ فريق يرفض المبادرة لأنه لا يجوز ان يكافأ المعطِّل.. والمطلوب في رأيه الالتزام بالدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية قبل اي أمر آخر (مسيحيو 14 آذار).
ـ فريق يقبل بالمبادرة، لكن على قاعدة تقصير الولاية المجلسية الحالية وإجراء الانتخابات الرئاسية بعد الانتخابات النيابية، والشرط الاساس أن تكون الرئاسة لمن هو أقوى مسيحياً. (التيار الوطني الحر).
الواضح، انه قبل ان يجف حبر المبادرة، سارعت بعض القوى الى وضع العبوات في طريقها ومحاولة نسفها، فقط من باب التعطيل، من دون ان تقدم بدائل تكملها او توازيها او حتى متقدمة عليها او تلاقيها في منتصف الطريق.
هناك من يتهم هؤلاء بأن الإصرار على السلبية لا ينمّ عن افتقار للأفكار والطروحات والمبادرات، او عن عدم قدرة على التجاوب، بقدر ما ينمّ عن استمرار الرهان على الخارج ليفرض معادلات جديدة وأمرا واقعا جديدا مفصلا على مقاس بعض المعطّلين، علما ان رئيس المجلس ابلغ بعض المراهنين أن الأولوية هي للبننة الحل السياسي والرئاسي.
وبرغم السلبية التي قوبلت بها المبادرة من قبل بعض القوى السياسية، الا ان بري لا يستطيع ان يقول إنه تبلغ ذلك، بل لا يعتبر ذلك جوابا نهائيا، فهو لا يزال ينتظر ان ترد اليه الردود رسميا من القوى السياسية في 21 حزيران المقبل، ليبني على الشيء مقتضاه.
مع ذلك يقول «لم تبق زاوية الا ودوّرتها، وما زلت احاول وسأستمر. في اي حال، لقد آن الاوان ان ننجح في الاختبار، وان نثبت لأنفسنا قبل غيرنا أننا بلغنا سن الرشد الذي يخولنا ان نضع مصلحة بلدنا قبل اية مصلحة اخرى».
ويلقي بري الكرة مجددا في ملعب المعنيين بقوله «لقد قدمت ما لدي، هدفي ان نلتقي جميعا في مساحات مشتركة. لم يعد خافيا الحال الذي وصل اليه البلد، صرنا في الأسفل، وانا على يقين ان كل تأخير إضافي فيه ضرر إضافي، فدعونا نصل الى قواسم مشتركة. لماذا نجلد أنفسنا بالتأخير؟».
هناك من يقول إن طريق المبادرة معقّد ومليء بالألغام، وما لم تحصل مفاجآت او معطيات جديدة ستبقى طريقها مقفلة. لكن بري يعتبر مبادرته فرصة لسلوك طريق الحل. وما يرفضه هو الا تذهب المبادرة مع الريح، مع ما يعني ذلك من استمرار في المراوحة رئاسياً وسياسياً على طاولة الحوار، او الفشل في إنضاج طبخة البحص الانتخابية في اللجان المشتركة.