Site icon IMLebanon

الإنذار الأوّل لمعركة التغيير..

الوضع السياسي بعد أمس الأحد، لن يكون مثل ما كان قبله!

وصرخة الغضب الشعبي التي دوّت أمس في قلب بيروت، ووصلت أصداؤها إلى مختلف المناطق اللبنانية، تجاوزت حدود النقمة على سياسة الضرائب الظالمة، وغير العادلة، إلى إدانة الطبقة السياسية بالفشل والعجز والفساد.

لم تعد مسألة معارضة سياسية هنا، أو حزبية هناك، بقدر ما أصبحت قضية تمس لقمة عيش كل مواطن شاء القدر أن يضعه في طبقة ذوي الدخل المحدود، أو في صفوف الفقراء والمعوزين، حيث بات يشعر أبناء هذه الشرائح أن الدولة موجودة لتكون عليهم، لا معهم، في حين هي أسيرة رغبات ونزوات المصارف والشركات وأصحاب المداخيل الخيالية والثروات المكدسة.

ومما يزيد من تفاقم هذه الأجواء المقلقة على السلم الأهلي والأمن الاجتماعي، أن الطبقة الوسطى، التي طالما شكلت صمّام أمان للمجتمع اللبناني هي في تراجع مستمر، بسبب سياسات الدولة العشوائية في الخدمات الاجتماعية والاستشفائية والتربوية، وغياب الضمانات الضرورية، سواء للمتقاعدين وكبار السن، أو حتى للأسر المعوّزة.

المشكلة أن تغليب منطق المحاصصة وتقاسم المغانم، بين الأطراف السياسية، أبعد أهل الحل والربط في السياسة، كما في الاقتصاد، عن معاناة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، بسبب الضيقة الاقتصادية التي يتخبّط فيها البلد، نتيجة صراعات ديوك السياسة أنفسهم، مما تسبب بتراجع الحركة الاقتصادية، وتضاعف حالات الافلاس، وتفشي البطالة، وانتشار الفقر المريع، بشكل غير مسبوق، حيث أوردت «الواشنطن بوست» في مقال عن لبنان قبل أيام أن ثمة 350 ألف لبناني يعيشون على دخل بمستوى دولار واحد فقط في اليوم!

* * *

وفي ظل غياب التخطيط، وافتقاد الرؤيا والمشروع الواضح، لاطلاق ورشة النهوض الاقتصادي مع بدء العهد الجديد، بعد سنوات الشغور الرئاسي العجاف، استسهل أهل الحكم مد الأيدي على جيوب المغلوب على أمرهم، وتمادوا في تطبيق قاعدة: مَن معه يعطى ويُزاد، وأهل الفقر يزدادون فقراً! واتخذوا من موضوع سلسلة الرتب والرواتب «قميص عثمان»، حيث دفع الغلابى ثمن السلسلة من الرسوم والضرائب التي أقرّت عام 2014، من دون أن تنفذ السلسلة! ويراد لهم اليوم تحمل الأعباء مجدداً، من دون توفر ما يضمن تنفيذ السلسلة هذه المرة أيضاً!

وعوض البحث عن خطط وبرامج لتكبير حجم الاقتصاد الوطني، وزيادة مداخيل الخزينة بعد تنشيط القطاعات المنتجة، بما فيها السياحية والخدماتية، عمدت الطبقة السياسية إلى إجراءات تكبّل الحركة الاقتصادية، ولا تأخذ بمبادئ التحفيز للقطاعات الانتاجية والخدماتية!

وصمّ المعنيون آذانهم عن أحاديث الهدر والفساد في الجمارك والكهرباء ومشاريع السدود المائية، وملف النفايات، رغم أن التصدّي لمعالجتها يؤمن للخزينة أكثر من ستة مليارات دولار سنوياً، تكفي ليس لتمويل السلسلة وحسب، بل وتساهم في تخفيض الدين العام، والتخفيف من أعباء الفوائد المدفوعة لسندات الخزينة.

* * *

من المحزن القول فعلاً أن تفاؤل اللبنانيين بالعهد الجديد تحوّل إلى ما يشبه سحابة صيف، بعدما أظهر مشروع الموازنة، أن شعارات الإصلاح والتغيير بقيت حبراً على ورق، ومجرد كلمات صمّاء في الخطابات الرنانة، من دون أن تظهر أي خطة جدية وعملية للحد من أمراض الفساد المنتشرة في وزارات الدولة وإداراتها، وملاحقة الفاسدين الحقيقيين، بعيداً عن أية كيدية شخصية، وبمعزل عن أية خلفية سياسية أو حزبية!

تُرى هل ادركت الأطراف السياسية أن «تظاهرة الغضب» هي بمثابة الانذار الأوّل لاقتراب معركة التغيير… وأن الانتخابات المقبلة ستكون ساحتها الشرعية والدستورية؟