Site icon IMLebanon

إشارات الأسبوع الأول: الآتي أصعب

 

بعد مرور اسبوع ونيف على استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، لا تزال الأنظار شاخصة الى الوضع المالي، لمتابعة الاشارات والتأكّد اذا ما كان وضع الليرة سيبقى مستقراً، اذا ما ساءت الاوضاع اكثر، وشهد البلد المزيد من المفاجآت الدراماتيكية.

في قراءة للنتائج المالية والاقتصادية بعد طوي الاسبوع الاول على أزمة استقالة رئيس الحكومة، ومضمون الكلام الذي أعلنه في بيان الاستقالة، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

اولا: على مستوى الاقبال على التحويل من الليرة الى الدولار، ظلت الحركة مضبوطة نسبيا، من دون التقليل من رمزية حجم هذه الحركة رغم التطمينات اليومية التي يقوم بها المسؤولون حول هذا الموضوع.

ورغم ان مصرف لبنان لم يعلن عن قيمة المبالغ التي تم تحويلها الى الدولار، الا ان مصادر مصرفية تحدثت عن تقديرات تدور حوالي مليار ونصف المليار دولار. وهو رقم اذا صحّ، ليس كبيرا ولا يشكل اكثر من حوالي 3 في المئة من مجموع الودائع المودعة بالليرة.

ثانيا: في موضوع تداول السندات اللبنانية في الاسواق المالية، بدا واضحاً ان هناك جهات تحاول التخلّص من الاوراق اللبنانية الأمر الذي أدّى الى خلل في العرض والطلب، والى تراجع في اسعار السندات الى مستويات قياسية. وساهمت التقارير التي أصدرتها مؤسسات التصنيف العالمية حول الوضع في لبنان في زيادة الضغط على السندات.

في المقابل، أقدمت الشركات العالمية المتخصصة في التأمين على الأدوات المالية في الاسواق الى رفع كلفة التأمين على الأوراق اللبنانية، بما يعني في الاشارات ان هذه الشركات باتت تعتبر أن خطر تخلّف الدولة عن تسديد التزاماتها المالية أصبح اكبر، على غرار ما تفعله «لويدز» عندما ترتفع مخاطر اندلاع الحروب في اي بقعة في العالم.

ثالثا: بورصة بيروت الجامدة أصلا قبل هذه الأزمة، تأثرت بدورها بالتطورات وازدادت جمودا، مع تسجيل تراجع متواصل للقيمة السوقية للأسهم.
رابعا: لم يكن الوقت كافيا لرصد الحركة الاقتصادية بشكل عام من خلال رصد الحركة التجارية في الاسواق، لكن من المتعارف عليه انه في خلال الأزمات، والغموض في الرؤيا تتراجع هذه الحركة تلقائياً.

هذه النقاط تتضمّن علامات استفهام تحتاج الى ايضاحات. على سبيل المثال، وان كان معروفاً ان الجهات الخارجية التي تحمل السندات اللبنانية هي من أقدم على عرض هذه السندات للبيع الا انه من غير الواضح، اذا ما كان الوضع يشمل كل الاطراف الخارجية المستثمرة في الدين اللبناني، ام ان الامر محصور في المستثمرين الخليجيين الذين قد يكونون تلقوا نصائح ببيع الاوراق اللبنانية. كذلك فان إقدام المستثمرين الاجانب على البيع يعني ايضا، ان المستثمر اللبناني واثق اكثر بالوضع المالي، وقد اعتاد الأزمات، الامر الذي لا ينطبق على المستثمر الأجنبي.

لكن اشكالية التخلص من السندات اللبنانية يطرح سؤالاً آخر أشد خطورة، يتعلق بالودائع في المصارف اللبنانية. من يستثمر في الاوراق اللبنانية طمعاً في الفوائد، قياساً بالمخاطر، قد يكون أيضا من المستثمرين في الايداعات في المصارف اللبنانية. وبالتالي، ليس مستبعدا ان يُقدم على سحب هذه الودائع، كما فعل في موضوع السندات.

في كل الاحوال، تبدو الدولة اليوم في مرحلة دقيقة، وكانت وزارة المال تخطّط لاصدار جديد قبل اندلاع أزمة الاستقالة، لتأمين اموال لاستحقاقات العام 2018، بفوائد معتدلة لا يمكن لدولة لديها التصنيف الائتماني نفسه، ان تحصل عليها. لكن، وبعد الأزمة، لم يعد ممكناً التفكير في الحصول على دين بفوائد قريبة في اسعارها من الاسعار التي كانت متداولة قبل الأزمة.

وليس خافيًا على أحد ان الدولة زادت من حجم انفاقها والتزاماتها من خلال سلسلة الرتب والرواتب، وهي لن تحصل حتما على الايرادات المقدّرة اذا تواصل التراجع في الوضعين المالي والاقتصادي كما يحصل منذ الاستقالة.

ما قيل قبل اسبوع يمكن ترداده اليوم. الوضع المالي متماسك بفضل القدرات المتوفرة في مصرف لبنان. لكن استمرار الأزمة وربما اتجاهها الى مزيد من التصعيد في الايام المقبلة، سيؤدي الى نمو المخاطر المحيطة بالبلد، ولا يمكن مجافاة المنطق، والادعاء ان الوضع سيبقى مستقراً على المستويين المالي والاقتصادي، مهما طال أمد الأزمة وزادت تعقيداتها.