«آخ يا بحر شو بشكيلك»، هي حال صيّادي الأسماك في صور، الذين يواجهون الحياة بشباك وصنّارة. يواصلون رحلة الصيد البحرية رغم كل الأعباء، يمضون في عملهم متحدّين كلّ الظروف، فالتوقّف اليوم عن العمل يعني الاحتضار.
عند ميناء صور البحرية تتعرّف على صيّادي الاسماك، على شاب يخرج فجراً الى البحر ليصطاد غلّته اليومية، على عجوز لم يترك مهنته منذ أكثر من 50 عاماً. هنا تتعرّف على الوجه الآخر من الحياة، على مهنة الشقاء والتعب، في البحر وبين هؤلاء الصيادين ترى بأمّ العين حجم الخطر المحدق بهم، ومع ذلك يواجهون الأزمات كما يواجهون أمواج البحر العاتية. هم مغامرون بكلّ ما للكلمة من معنى، لم تترك لهم الحياة فرصة أخرى، التحموا مع الشباك والأسماك، باتت صديقة أيامهم، لا يتطلّعون الى تفاصيل الحياة السياسية، فهي لا تعنيهم، يتأمّلون واقعهم المعيشي فهو الأهمّ، عينهم على دواء مفقود وحليب مقطوع وضرائب لا تعدّ ولا تحصى وأضيف إليها ضريبة المراكب التي تأخذ منهم كل تعبهم.
يؤكد أبو محمد بواب أحد كبار الصيّادين أنّ مهنته باتت لا تطعم هذه الأيام، «لا تسدّ حاجاتنا اليومية»، ومع ذلك يمضي في رحلته الصباحية اليومية من دون إنقطاع، أكثر ما يشغله أنّ دواء الأعصاب الذي يأخذه بات مقطوعاً والانسولين الخاص بزوجته مفقود أيضاً، بحسرة يقول: «يكفينا مرارة الأيام حتى تحاربنا الدولة بدوائنا، وكأننا بتنا سلعة. نعم، الناس تحوّلت سلعة بيد تجّار الأزمات». يرى في البحر ملاذه الآمن من الهموم، يرمي أوجاعه داخلها، فهو صديقه منذ 40 عاماً حين بدأ بمهنة الصيد، كان للمهنة عزّها، فصور مدينة السمك، كثر من السيّاح الأجانب يقصدونها لتذوّق سمكها الشهيّ، يأسف لتراجع حجم الثروة السمكية هذه الأيام بسبب استخدام الديناميت، يجزم أنّ المهنة على شفير الهاوية، «من ينقذنا»؟
يواجه صيادو الأسماك أزمات متلاحقة، من ارتفاع المازوت إلى الكلفة التشغيلية وصيانة المركب والشباك وغيرها، فكلها باتت باهظة وتخضع لدولار السوق الموازي، كثر من هؤلاء باتوا عاجزين عن مواصلة الكفاح ومع ذلك يواظبون على رحلات الصيد اليومية، يفرحون حين تكون الغلّة كبيرة. منذ زمن يعانون من تراجع المهنة، وجاءت الازمة لتقضي عليها، ومن بقي يعمل بها، فهو انتحاري كما يقول أغلبهم، «لأنّ لا عمل آخر لهم «من يعمل في البحر لا يقدر على العمل في اليابسة».
تعدّ مهنة الصيد في صور من المهن التقليدية، فالسمك وصور متلاصقان، لا يمكن فصل المهنة عن مدينة إليسار التي صمدت ضدّ كلّ الازمات وخرجت منتصرة، ولا يمكن زيارة صور من دون زيارة مينائها وحارة الصيادين فيها، هنا تتعرّف على صناعة المراكب وقد باتت أيضاً مهدّدة بالانقراض، إذ يعتمد جورج بربور آخر الصناعيين على الصيانة فالتصنيع مكلف جداً، وعند الميناء تتعرّف على عمل بربور الذي يعدّ جزءاً لا يتجزّأ من عمل الصيادين، جازماً أنه لن يتنحّى عن مهنته طالما يملك نفساً.
يقرّ الصياد ماجد بواب أنّ المهنة ليست بخير، فالكلفة التشغيلية باتت باهظة كثيراً، أكثر من الإنتاج، ومع ذلك يرفض أن يتراجع عن عمله، فلا عمل آخر بيده، يمتهن صيد السمك منذ سنوات، توارثها عن والده، معظم شبان صور يهوون الصيد، وقلّة تمتهنه، عشرات العائلات تعتاش من هذه المهنة في صور، يقرّ معظم العاملين في الصيد أنّ الوضع في تراجع، فالثروة السمكية مهدّدة نتيجة استخدام الديناميت، يرى ماجد أنّ هناك من يقضي على المهنة بيده، فالصيد بالديناميت خطر يهدّد الثروة السمكية في بحر صور.
إحتجّ الصيادون قبل أسبوع تقريباً على هذا الأمر، طالبوا بوقفه قبل أن تتوقف مهنتهم، يرى أبو ياسر أنّ «الصيد في تراجع مستمرّ، وهو أمر ينعكس على حياتنا الاقتصادية»، يؤكّد أنّ سعر السمك ارتفع بسبب الكلفة التشغيلية، «غير أنّه لا يوازي تعبنا على الاطلاق».
يعيش معظم الصيادين كفاف يومهم، وهو ما يجعل حياتهم على كفّ الأزمات. فهم يواجهونها وحيدين، فلا نقابة تدافع عنهم ولا دولة تلتفت الى هذا القطاع الحيوي، الذي يشهد تعدّيات عليه من هواة ما يهدّد المهنة أكثر، ما يريده الصياد أن يواصل عمله ليواجه الأزمة، « شوية دعم» ولو معنوي مع الغاء الضريبة على المراكب التي تشاركه تعبه