Site icon IMLebanon

حياكة شِباك الصيد بالصنّارة… حِرفة قديمة العهد

 

 

حكاية حبّ وانسجام تجمع بين الحاج أحمد الحصني ونجله محمد وشباك الصيد التي يحيكانها، عمرها عشرات السنين. يلفّ الحصني خيوط الشبك على يديه المتعبتين المحاصرتين بتجاعيد عددها من عدد السنوات الطوال التي لا يزال يعمل فيها في هذه الحرفة، صانعاً من هذه الخيوط شباكاً جميلة مناسبة لكل أنواع السمك.

 

في دارته في بلدة ببنين العكارية التي يعمل أغلبية سكّانها في صيد الأسماك، يعكف الحصني مع نجله المختار السابق محمد على حياكة شباك الصيد بالصنّارة. حرفة قديمة ورِثها عن أبيه وورّثها لإبنه، ويُعدّ من بين القليلين الذين يجيدون هذه الصناعة وعددهم في عكار بات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. يستخدم شباكاً من هذا النوع عادة لصيد «الجاروفة»، ويدخل في هذه الصناعة العديد من الأدوات. فإضافة إلى خيط الشبك؛ هناك الحبال والرصاص وأدوات أخرى، وصانع الشباك بلغة البحّارة يسمّى «الضرّيب»، ومن يمتهن حرفة الصناعة فلا بد أن يجيد صيانتها في حال تعرّضت للتلف، ولكن العكس غير صحيح.

 

يؤكد المختار محمد الحصني أنّ والده «يجيد الحرفة على أصولها»، وقد تعلّم منه الكثير «ولا يزال هناك اكثر لأتعلّمه، فوالدي مدرسة في هذه الحرفة». ويضيف: «مع ارتفاع أسعار المواد التي تدخل في صناعة الشباك بشكل كبير؛ حيث أنّ صنع شبكة واحدة يحتاج إلى حوالى المئة مليون ليرة. ازدهرت الصيانة على حساب صناعة الجديد؛ تفادياً من الصيادين لدفع أكلاف باهظة جميعها بالدولار «الفريش». لذلك بات من النوادر أن نصنع شبكة جديدة لصياد، لكنّنا نجري يومياً صيانة لشباك عدّة».

 

ويشرح المختار الحصني شغفه ووالده الثمانيني بهذه الصناعة، «كانت روح الحياة وما زالت. فعليها تربّينا وتعلّمنا من الوالد أصولها وفنونها، وباتت هي بالنسبة إلينا مصدر رزقنا، وهناك الكثير من الأشخاص في ببنين وخارجها تعلموا أيضاً من الوالد هذه الصناعة». ومن دون أي تردد يقول: «نحن لا ولن نبخل بتعليم ضرب الشبك لكلّ من يريد ذلك، في ببنين وخارجها، فنحن لا نريد لهذه الصناعة اليدوية التقليدية أن تموت وتندثر؛ لا سيما وأنّ صيد السمك مهنة أكثرية أهالي وسكان ببنين وعائلاتها. لقد درّس والدي الصناعة في عدة دورات أيضاً وكلنا أمل في أن نراها منتشرة في ببنين وفي كل المناطق، لأنها صناعة حقيقية تفتح بيوتاً وتؤمّن فرص عمل لمن أراد».

 

في زمنٍ يفقد فيه البلد صناعاته وتنهار قطاعاته مع غياب رعاية الدولة، ثمّة أشخاص يتمسّكون بهذه الحِرف والصناعات التقليدية ويعتبرونها جزءاً من صمودهم ووجودهم. هؤلاء يشبهون الزمن الجميل الذي نحنّ إليه جميعاً، أوليس لهم الحق بأن تدعمهم الدولة كما يدعمونها؟».