Site icon IMLebanon

خمسة أسئلة في «مسابقة» الموازنة

لا يبدو الخروج باتفاق على مشروع الموازنة مهمة سهلة، بسبب التداخل بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي. لكن، وبصرف النظر عن النتائج التي سيخرج بها مجلس الوزراء، تبدو الارقام مُقلقة، وأخطر ما فيها ان التعاطي مع هذه الحقائق يتم على طريقة الامثال الشعبية، «اذا ما كبرت ما بتصغر».

يبدأ مجلس الوزراء غدا اجتماعاته من اجل مناقشة واقرار مشروع موازنة العام 2015. وقد تقرر، من حيث المبدأ، عقد اجتماعات متلاحقة للوصول الى تفاهم حول هذا الملف.

في مواجهة هذا الاستحقاق، هناك مجموعة من الحقائق التي تفرض نفسها، وتجعل المشروع موضع تساؤل. اذ ان الاسئلة المطروحة اكثر تعقيدا مما يعتقد البعض. ولعلّ السؤال الاول الذي يشكل محور المناقشات، هل سيتم دمج سلسلة الرتب والرواتب في الموازنة؟

اذا تقرر الدمج، وهذا التوجه يبدو منطقياً اكثر من نظرية الفصل، فان السؤال الاستلحاقي سيكون كم سيبلغ مستوى العجز في الموازنة؟ وهل من المسموح ان يتجاوز الخمسة مليارات دولار في اول موازنة تصدر بعد انقطاع استمر تسع سنوات؟

السؤال الثاني، كيف سيتم احتساب الكلفة التصاعدية للسلسلة، على اعتبار ان التوظيف مستمر في الدولة، في الاسلاك العسكرية والمدنية، وهناك 15 الف موظف جديد تمت الموافقة على توظيفهم في القطاع العام، حسبما كشف وزير المالية علي حسن خليل. والاهم ان الباب مفتوح لاستمرار هذا التوظيف، بما يعني ان كلفة السلسلة متحركة تصاعديا، وبشكل سريع، وبما يعني ايضا ان المشكلة المالية الحقيقية قد لا تظهر في ارقام موازنة 2015، لكنها ستكون كارثية في الاعوام اللاحقة.

وللتذكير هنا، كان ينصّ مشروع سلسلة الرتب والرواتب عندما جرى تداوله ومناقشته في اللجان النيابية، على بنود اصلاحية عدة من ضمنها تعليق التوظيف في الإدارات العامة الذي يحتاج إلى موافقة مسبقة من مجلس الوزراء بجميع أنواعه وأشكاله، إلى حين إعادة النظر بهيكليات هذه الإدارات العامة. لكن ربط التوظيف بمجلس الوزراء، لا يبدو انه حل ناجع لضبط «الهدر» في التوظيف غير المجدي بدليل موجة التوظيف الجديدة.

السؤال الثالث، هل سيتم وضع خطة اقتصادية واضحة للسنوات المقبلة، ام سيتم الاكتفاء بادراج ارقام الانفاق والايرادات؟ في كل الاحوال، هذه الارقام ليست مشجعة. استناداً الى الأرقام التي عرضها وزير المالية، فإن العجز يبلغ 7427 مليار ليرة، وقيمة الدين العام ستصل الى 71 ملياراً و700 مليون دولار أميركي.

هذا يعني ان التقديرات الرسمية، والتي غالبا ما تكون متفائلة قياسا بالنتائج الحقيقية التي تبرز في نهاية كل عام مالي، تشير الى عجز يقارب الخمسة مليارات دولار. هذا الرقم قياسي ومُقلق، لأنه يعني ان وتيرة حجم الدين العام سوف ترتفع بسرعة في السنوات المقبلة.

مع الاشارة الى ان نمو الدين العام ترافق في السنوات الثلاث الماضية مع توجهات ايجابية، بسبب تراجع اسعار الفوائد عالميا، وانعكاس هذا الوضع على كلفة الدين العام اللبناني. وقد زادت كتلة الدين العام، من دون ان ترتفع كثيرا كلفة خدمة هذا الدين.

لكن مفاعيل هذه التراجع في اسعار الفوائد انتهى اليوم، واذا اعتبرنا ان اسعار الفوائد لن ترتفع مجددا في المدى القريب، فان كلفة خدمة الدين العام سوف تشهد ارتفاعا في السنوات اللاحقة ، ستجعل الوضع المالي في مرحلة اشد خطورة. وللتذكير فان كلفة خدمة الدين العام تبلغ حاليا حوالي 6300 مليار ليرة. ومن المتوقع أن يزيد خلال عام ليصل إلى 6600 مليار ليرة، اي حوالي 4.5 مليار دولار.

السؤال الرابع، كيف ستتم مواجهة مفاعيل ضعف النمو؟ وهنا نتحدث عن حجم الاقتصاد وتداعياته على كل المفاصل الاقتصادية. على سبيل المثال، وقياسا بحجم الاقتصاد الوطني، اضطر مصرف لبنان قبل فترة الى إصدار تعميم لضبط حجم القروض المصرفية الاستهلاكية. هذا الأمر يشمل القروض الممنوحة الى القطاع الخاص. اذ ان مقياس القروض يعتمد دائما على حجم الاقتصاد في كل دولة.

وهذا يعني بلغة مفهومة ان حجم الاقراض الى القطاع الخاص والى المستهلكين سوف يصبح شبه ثابت، وغير قابل للنمو، ما دام حجم الاقتصاد شبه جامد هو الآخر، ولا ينمو سوى 1 او 2 في المئة. وكانت الحسابات تجري سابقا على اسا حجم السيولة المصرفية، والتي ترتفع بوتيرة لا تقل عن 6 او 7 في المئة سنويا.

جدير بالذكر هنا ان قروض التجزئة زادت سنوياً بنسبة 7 في المئة لتبلغ 16 مليار دولار في منتصف العام 2014 أي بزيادة كبيرة خصوصاً في العامين 2012 و2013، لترتفع من 17 في المئة من مجموع القروض المصرفية الى 28 في المئة في نهاية حزيران الماضي. وارتفاع هذا النوع من القروض في هذه السنوات تحديدا، يشير الى معضلة توظيف الاموال المكدسة في المصارف.

اذ ان تداعيات أزمات المنطقة، وضعف اداء الاقتصاد اللبناني، دفع بالمصارف الى تنافس محموم على استقطاب القروض الاستهلاكية، وهذا الوضع غير آمن. ومن هنا جاء تدخل مصرف لبنان لوضع  الضوابط ووقف هذه الاندفاعة.

السؤال الخامس، هل تسعى الحكومة الى نقل المشكلة من السراي الى ساحة النجمة، ام انها تريد الوصول الى مشروع موازنة قابل للمرور الآمن في مجلس النواب ايضا؟ هذا السؤال مطروح من زوايا عدة، من ضمنها طبعا قضية الـ11 مليار التي انفقتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

واذا كان الخلاف على تشريع هذا الانفاق سياسي وليس ماليا او اقتصاديا، فان المؤشرات حتى الان، ليست واضحة تماما، ولا تؤكد ان الملف سوف يُطوى لكي تمر الموازنة في المجلس النيابي، في حال خرجت سالمة من الحكومة. في النتيجة، ستكون جلسات الموازنة في الحكومة صعبة ومعقدة، الا اذا انسحبت «عجيبة» الاتفاق على الهاتف الخلوي، على مشروع الموازنة، وهبط الوحي على الجميع في جلسة 29 نيسان الماضي.