بعد خمسة أعوام من عمر الثورة السورية وما تخللها من أحداث دامية أفضت إلى سقوط أكثر من نصف مليون قتيل ومليون ونصف المليون جريح، عادت خلال الأيام القليلة الماضية التظاهرات في المدن السورية إلى سابق عهدها وتحديدا الى العام 2011 يوم عبّر الشعب السوري بطرق سلمية عن مطالبه قبل أن يُشيطن على يد النظام وحلفائه ويُتخذ قرار بإبادته بأبشع الوسائل والطرق. وتأتي هذه العودة بعد أيّام على دخول سوريا في مرحلة التهدئة بعد القرار الروسي – الأميركي.
يصح القول في مثل هذه الأيام إنه تاريخ تشابكت فيه الوقائع والمواقع. هي فترة زمنية قرّر خلالها الشعب السوري الخروج على جلاده بقبضاته وحناجره التي كانت السلاح الأقوى والأمضى في وجه نظام زرع القتل والرعب داخل الشيوخ والنساء والأطفال من أبناء شعبه لفترة حكم متوارثة تزيد عن أربعين عاماً ختمها باقتلاع الحناجر وقصف الاطفال بالطائرات والبراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي وصولاً الى استعمال سلاحه الاخير، سلاح الحصار والتجويع حتى الموت. وقد ترافقت مع هذه الفترة الزمنية أمس، ذكرى خروج أحزاب قوى الثامن من آذار بعد أيّام على دحر نظام الوصاية والقتل عن لبنان تحت شعار «شكراً سوريا».
خمسة أعوام مرت والقضية بالنسبة الى الشعب السوري لم تمت، بل على العكس فهي في حركة غليان دائمة تُعبّر عن سلميّتها رغم الظروف القاهرة وهو ما أكدته وأظهرته للعالم كله وبالعين المجردة بعد سنوات خمس من القتل والتنكيل ومحاولات جرها الى رد فعل مماثل، فكان الخروج مجددا خلال الأيّام الماضية الى الساحات حيث عادت الحناجر الى سابق عهدها لتصرخ بأعلى الصوت «سلميّة سلميّة»، وأكثر من ذلك طالب التوّاقون الى الحريّة بعدما غابت عن سمائهم طائرات النظام وكذلك السوخوي الروسية، بخروج التنظيمات المسلحة من مدنهم وقراهم للتأكيد بأن ثورتهم موجهة الى كل من يحمل مشروعا خارج الإطار الوطني، فكانت الهتافات تطالب بدعم «الجيش السوري الحر»وبخروج هذه الجماعات التي ردت بدورها بإطلاق النيران عشوائياً على المتظاهرين فقتلت وجرحت منهم على الخُطى نفسها التي يسير عليها نظام بشار الأسد.
يبدو أن عمر الثورة حتى اليوم، غير كاف لكي يقتنع كل من النظام السوري و»حزب الله»، بأن الجرائم التي يرتكبانها حتّى الساعة، لن تزيد الشعب السوري إلا عزماً وإيماناً بقضيته حتى ولو طالت خمسة أعوام أخرى وأدت إلى سقوط أضعاف الذين سقطوا طيلة الفترة الماضية. من هنا يُمكن التأكد بأن الأسد ومن ورائه النظام الإيراني و«حزب الله«، كان لهم الدور الأبرز في تحويل مسار الثورة وجعل سوريا كلها أرض جهاد تحت شعارات مذهبية بدأت بحماية المراقد ثم تلاها تهجير أهالي قرى معروفين بانتمائهم المذهبي بعد التنكيل بهم، واليوم يستمر المخطط من خلال التقسيمات الديموغرافية على غرار ما حصل في مدن «الزبداني« و«الفوعة« و«كفريا« وما سيلحقها في كل من مدينتي «نبّل و«الزهراء«. وخير دليل على هذا التورط، ما يحصل اليوم في «مضايا» من تجويع وتنكيل بحق أهاليها لإجبارهم على ترك منازلهم وأراضيهم لصالح المشروع أو المخطط الإيراني.
منذ أن نزل إلى الشارع وتحديداً إلى ساحة «رياض الصلح»، ليشكر النظام السوري على سنوات اجرامه وإذلاله للبنانيين وحتّى انخراطه لاحقاً كطرف أساسي الى جانب حليفه الأسد وشريك في عملية ذبح الشعب السوري، ها هو «حزب الله» ومعه النظام السوري، يفردان لنفسيهما صفحات جديدة وموثقة في تاريخ الجرائم الإنسانية من خلال محاصرتهما مدن وقرى دمشق وحلب وإدلب، إن من خلال التجويع أو بزرع حدودها بالألغام تماما كما هو حاصل اليوم في مضايا.
من حسنات «8 آذار» أنها كانت السبب الرئيسي لولادة حركة «14 آذار» التي وُلدت كردّ فعل على تظاهرة «شكراً سوريا» في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد كانت فيها دماء طلائع شهداء ثورة الأرز على الأرض ولم تجف بعد، الأمر الذي رأى فيه أكثر من ثلثي الشعب اللبناني انه توجيه شكر للقاتل على جريمته، ولتنطلق على اثره مسيرة السيادة والحرية والإستقلال التي أفضت بدورها الى قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وفي مقارنة بسيطة بين 8 و14 آذار، ان الأولى وُلدت من رحم نظام مجرم، بينما قامت الثانية على أسس وطنية جمعت تحت مظلتها اللبنانيين بكل مذاهبهم للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
بعد كل هذا، لم يعد مُستغرباً من جماعة «شكراً سوريا» وعلى رأسها «حزب الله « الداعم الأبرز للنظام السوري، أن لا يخرج عنه حتى اليوم أي إدانة للمجازر التي تُرتكب في سوريا على يد سفاحها، والأنكى من عدم إستنكاره يكون عادة بتوجيه إتهاماته للمعارضة السورية بوقوفها وراء المجازر، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية وإعلامية بالصوت والصورة مسؤولية حليفه عن أكثر من تسعين في المئة من المجازر التي ترتكب منذ بداية الثورة وحتّى اليوم. لكن هذا كلّه يُقابله الحزب برد فعل دائم وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله بأن «لا حرب نظيفة في العالم كله«.