Site icon IMLebanon

عيب على النواب أن يعيّدوا قيامة المسيح ولا يعيّدوا قيامة لبنان من قبر الفساد

لم يفكر المشترع عند وضع الدستور ترجمة لاتفاق الطائف انه سيأتي يوم يتخلى فيه النائب عن واجبه الوطني في انتخاب رئيس للجمهورية وإلا لكان لحظ عقوبة لمن يتغيب عن الجلسات من دون عذر مشروع. أما وقد أصبح التغيب من دون عذر مشروع قاعدة تجعل هذا الانتخاب معرضاً في كل استحقاق لشغور رئاسي لا يعرف مداه، فان مصلحة لبنان العليا باتت تقضي بجعل حضور النائب جلسة انتخاب الرئيس الزامياً ما لم يكن لتغيبه عنها عذر مشروع لئلا يصبح تعطيل كل جلسة لانتخاب الرئيس مفتوحاً أمام كل من يريد ذلك لأسباب شتى ولغاية في النفس

لقد اتخذت هيئة مكتب مجلس النواب قراراً حسمت بموجبه موضوع الخلاف حول الأكثرية المطلوبة لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فاتفقت على أن تكون أكثرية الثلثين. فإذا كان من حقها ومن صلاحيتها أن تقرر ذلك فلمذا لا يكون من حقها ومن صلاحياتها أيضاً حسم الخلاف حول حق النائب في التغيب عن جلسة انتخاب الرئيس من دون عذر مشروع، أو تضمين النظام الداخلي للمجلس نصاً يجعل حضور النائب جلسة انتخاب الرئيس ملزماً تحت طائلة معاقبة كل من يتغيب عنها من دون عذر مشروع كما فرض النظام عقوبة على كل من يتغيب عن جلسة اللجان التي هو عضو فيها ثلاث مرات متوالية ومن دون عذر مشروع، وهذه العقوبة تقضي باعتبار مقعده خالياً، فيطبق الشيء نفسه على النائب الذي يتغيب عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، أو عدم احتسابه في عدد أكثرية الثلثين المطلوبة لاعتبار الجلسة مكتملة النصاب.
إن الرئيس نبيه بري ما فتئ يكرّر تمسكه بنصاب الثلثين للجلسة الرئاسية ويرفض بشدة محاولة فرض عُرف جديد أو سابقة لكسر هذا النصاب باعتماد أكثرية النصف زائد واحد، وهو على حق في موقفه هذا لأن رئيس الجمهورية هو رئيس كل اللبنانيّين وليس رئيس فئة أو طائفة وينبغي أن ينال الأصوات النيابية التي تؤهّله لأن يكون كذلك، لا أن يعتبر فائزاً بالرئاسة بأصوات فئة سياسية أو طائفة فيفقد عندئذ المفهوم الصحيح للميثاقية المطلوبة لانتخابه. لكن اذا كان من حق أو من صلاحية هيئة مكتب المجلس أن تعتبر أكثرية الثلثين مطلوبة لنصاب جلسة انتخاب الرئيس فينبغي أن يكون من حقها وصلاحيتها أيضاً الزام كل نائب حضور جلسة انتخاب الرئيس وإلا فرضت على من يتغيب من دون عذر مشروع عقوبة اعتباره مستقيلاً حكماً من عضوية المجلس إذا تغيب عن حضور ثلاث جلسات متوالية كما يقترح الوزير بطرس حرب في مشروعه المتعلق بتعديل الدستور، وهو مشروع قد يكون من الصعب أن يمر في الظروف الراهنة في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب، وإن كان يضعهما أمام مسؤولياتهما الوطنية وأمام محاسبة الرأي العام. فالتغيب المتعمد لعدد من النواب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية دفع الوزير حرب الى التقدم باقتراح تعديل الدستور بعدما تكرر تعطيل نصاب جلسات الانتخاب مدى سنتين تقريباً، الأمر الذي حتّم توقف العمل التشريعي باعتبار ان المجلس لم يعد هيئة اشتراعية بل أصبح هيئة انتخابية. وأكد في الأسباب الموجبة لاقتراح التعديل على المبادئ الدستورية التي فرضت على نائب الأمة أن يمارس مهماته التي أوكلها اليه الناخبون وهي مبادئ مكرّسة في كل دساتير العالم.
الواقع أنه من غير المنطقي أن يمنع النظام الداخلي لمجلس النواب النائب من التغيب عن جلسات اللجان من دون عذر مشروع تحت طائلة العقوبة ولا يمنعه من التغيب عن جلسات انتخاب رئيس للجمهورية سواء بتعديل الدستور أو بقرار يصدر عن هيئة مكتب المجلس كما اتخذت قراراً بجعل أكثرية الثلثين الزامية لاكتمال نصاب جلسة انتخاب الرئيس، لا أن تكون هذه الأكثرية الزامية ولا يكون حضور النائب الزامياً أيضاً.
لقد تعذّر انتخاب خلف للرؤساء أمين الجميل واميل لحود وميشال سليمان عند انتهاء ولايتهم لوجود ثغرة في الدستور يجب سدّها بسرعة كي لا يتكرر تعطيل انتخاب الرئيس كل مرة من خلال إفقاد متعمد لنصاب جلسة الانتخاب ما يؤدي الى تعطيل النظام السياسي بكامله والى تعريض البلاد لمخاطر جمّة، وذلك إما بإقرار اقتراح التعديل المقدم من الوزير حرب من دون عرقلة، وإما بقرار تتخذه هيئة مكتب المجلس بجعل حضور النائب الزامياً كما جعلت أكثرية الثلثين شرطاً لاكتمال نصاب جلسة الانتخاب، أو بإيراد نص في النظام الداخلي لمجلس النواب يعاقب كل نائب يتغيب عن جلسة انتخاب الرئيس كما يعاقبه عن تغيبه عن جلسات اللجان. فعيب على النواب، ولا سيما منهم المسيحيين، أن يعيّدوا قيامة السيد المسيح ولا يعيّدوا قيامة لبنان من قبر يكلّسه الفساد.