قذف البحر مركبين يقلان عشرات العائلات اللبنانية والفلسطينية والسورية، الى إحدى الجزر القبرصية، ليجدوا أنفسهم سجناء قاعدة عسكرية بريطانية. المهاجرون الـ114، وبينهم ٣٥ طفلاً و١٣ امرأة، يناشدون المعنيين التدخّل لإخراجهم من «مخيم الاعتقال البريطاني»
في أحد التقارير الأمنية الواردة الى الأمن العام، وردت معلومة تُفيد بأنّ مطلوبين من أحد المخيمات الفلسطينية يستعدون للسفر إلى أوروبا عبر مراكب الهجرة غير الشرعية. بين هؤلاء كان أمير الزير، المشهور بـ«بلال الزير»، الذي ارتبط اسمه بـ«عصابة» نشطت في أحياء صبرا وشاتيلا.
قرّر الزير ترك لبنان سعياً الى أفضل. فحتى حياة «الخوّات» لم تعد تُطعم خبزاً في بلاد الأرز. اختار ألمانيا، وغادر بالفعل، مع عائلته وعائلات أخرى، على متن قوارب الى اليونان.
لكنّ أحداً من هؤلاء لم يصل الى اليونان وانقطعت أخبارهم الى أن وصل الى «الأخبار»، قبل أيام، مقطع فيديو مصوّر، ظهر فيه الزير ووجهه مغطّى بالدماء، فيما يصرخ في وجه ثلاثة أشخاص يحاولون تهدئته: «ليش عم تمنعوا الصحافة عنّا». وتبيّن أن «الزير» شطّب نفسه احتجاجاً على سوء معاملة البريطانيين له، فهل وصل مع رفاق رحلته إلى بريطانيا؟
الجواب قطعاً لا. «ركّاب البحر» ــ وهم عشرات من العائلات الفقيرة من مخيمات عين الحلوة وشاتيلا والبداوي ومن طربلس والضاحية ــ وجدوا أنفسهم داخل قاعدة عسكرية بريطانية في جزيرة ديكيليا، وهي إحدى الجزر القبرصية، بعدما تاه المركبان اللذان كانا يقلانهم في البحر لثلاثة أيام. وقال أحد هؤلاء، واسمه حسن، لـ«الأخبار»، إنهم غادروا من طرابلس في 19 الشهر الماضي، متوجهين الى اليونان. لكنهم تاهوا في عرض البحر بعد تعطّل جهاز الـ «GPS» المسؤول عن تحديد الاتجاهات. وبعدما شارفوا على الغرق، وجدوا أنفسهم قرب جزيرة كيرينيا القبرصية. ولدى نزولهم عليها، وصلت طوّافات عسكرية وتمّ تطويقهم ممن تبيّن أنهم جنود بريطانيون.
ويقول حسن: «سجنونا في هنغار لمدة ستة أيام. لم نكن نعرف ماذا يجري. بعدها نقلونا إلى جزيرة ديكيليا». وهي الجزيرة نفسها التي نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية العام الماضي تحقيقاً عن عائلات عراقية لا تزال لاجئة عليها، علماً بأن القاعدة العسكرية البريطانية الموجودة على هذه الجزيرة تستخدمها قوات التحالف لتنفيذ غارات ضد مواقع تنظيم «داعش» في سوريا.
في ديكيليا، وُضعت العائلات المهاجرة داخل مخيّم محاط بأسلاك شائكة وأُعطي كلّ منهم رقماً، ثم «أعطونا خطوطاً هاتفية يُتيح رصيدها إجراء مكالمة واحدة مع أهالينا لطمأنتهم». ويقول حسن، وهو من مخيم شاتيلا: «أحد السكان أشفق علينا وهرّب لنا خطاً هاتفياً»، وهو الخط الذي تواصلت «الأخبار» معهم عبره. تقول ضياء عريشة (١٧ سنة): «كدنا نغرق فالتجأنا إلى هنا. احتُجزنا من دون سبب ولا نعرف ما هو مصيرنا». وتروي إيمان (11 عاماً): «كنا رايحين على ألمانيا فجابونا على قبرص اليونانية. نحنا محتجزين بديكيليا. عم يعطونا ٣ وجبات بالنهار وكل يوم بيعدّونا… بتمنى حدا يساعدنا». وقال محمود شعبان، وهو فلسطيني من مخيم شاتيلا: «كان مقصدنا أوروبا طمعاً بحياة أفضل.
صار لنا ١٥ يوماً معتقلين. هناك سياج يحيط بنا. يطعموننا ويشربوننا. لا نريد أن نأكل، بل نريد أن نرحل». أحد الشبان، الذي رفض الكشف عن اسمه «خوفاً من الضرر»، أكد لـ«الأخبار»: «قالوا عنّا إرهابيين… بعضنا حاول شنق نفسه وآخرون أضربوا عن الطعام. معنا أطفال ونساء وحوامل. صحيح في كم مطلوب بأمور عادية، لكن ليس بيننا متهمون بجرائم إرهاب». وأضاف: «اعترضنا وبدأنا بإزالة الأسلاك الشائكة، فأدخلوا علينا فرقة مكافحة الشغب لضربنا».
العائلات المهاجرة وثّقت رحلتها بمقاطع فيديو مصوّرة، ويحاول هؤلاء التواصل مع وسائل الإعلام لإيصال أصواتهم. يُريدون أن يعرفوا مصيرهم. فهل يُسمح لهم بإكمال طريقهم ليُمنحوا اللجوء أو يُرحّلون فيُجبرون على العودة إلى لبنان؟
مصادر بريطانية قالت لـ»الأخبار» إن «هناك شكوكاً في أن بعض هؤلاء المهاجرين قد يكونون إرهابيين»، مشيرة إلى أن ذلك «ما يفسّر التعاطي معهم بنوعٍ من الارتياب». وكشفت المصادر نفسها أنه بعد «التدقيق الأمني سيُمنح هؤلاء اللجوء إلى اليونان».