تخضع طائرات العودة من بلاد الاغتراب الى لبنان لاستنسابية رئيس مجلس إدارة ميدل إيست محمد الحوت ووزيري الخارجية والأشغال. والحصيلة، لوائح بأسماء تضاف قبيل 24 ساعة من تاريخ الإقلاع، وتتخطى العدد المسموح به على الطائرة، لتعيد بعض المحظيين على حساب الحالات الطارئة
لا مكان لـ«الآلية» – أي «آلية» – ولا حتى تلك التي تفرضها الظروف الصحية الطارئة والأسباب الانسانية في قاموس الدولة اللبنانية. هكذا، وكما هي العادة في كل أمر، دخلت الوساطات والمحاصصات والخدمات على آلية إعادة المغتربين من بلدان انتشارهم هرباً من فيروس «كورونا». وفيما كان مفترضاً باللجنة (المؤلفة بشكل رئيسي من وزارات الخارجية والداخلية والأشغال والصحة) التي تناقش آلية العودة والأسماء المستحقة للإجلاء، أن تعتمد معايير موحّدة، سرعان ما تحوّلت أداة يستغلها النافذون لفرض أسماء معينة. هكذا، «نُقّحت» الأسماء – بتنسيق وعلم مسبق من وزيريّ الخارجية والأشغال ورئيس مجلس إدارة «ميدل إيست» محمد الحوت – بشكل لا يراعي «ذوي الوضع الاجتماعي الدقيق الذين غادروا لبنان بتأشيرة مؤقتة أو قصيرة الأمد، وذوي الوضع الصحي والعمري الدقيق والعائلات». كما أُضيفت أسماء لم تكن واردة في اللوائح، ولو على حساب إجراءات الوقاية التي يُفترض أن تعتمد. فعلى سبيل المثال، كان مقرراً أن تقلّ الطائرة القادمة من لاغوس، أول من أمس، 121 راكباً، قبل أن يتبيّن أن عدد من كانوا على متنها 146 شخصاً، رغم أن سقف العدد المسموح به على الطائرة الواحدة لا يفترض أن يتجاوز 125 راكباً. وفي المعلومات أن «تطوراً ما» حدث قبيل ساعات من الإقلاع، أدى الى زيادة 25 راكباً، قالت مصادر مطلعة إنهم استقلّوا الطائرة بأمر من… الحوت بعدما أرسل «لائحته الخاصة» الى وزير الخارجية ناصيف حتي الذي وافق عليها، رغم اعتراض السفير اللبناني وبعض أبناء الجالية.
«الأخبار» حصلت على نسخة من لائحة الأسماء التي أضيفت الى ركاب الطائرة. وكان لافتاً أن الخانة المخصصة لذكر الوضع الصحي لكل من هؤلاء مُلئت بعبارة «المدير العام لميدل إيست». التدقيق في عناوين أصحاب «الأسماء المحظية» يوضح أن غالبيتهم يقطنون في مناطق وفلل فخمة، وهم ممن يمكنهم العودة بواسطة طائرات خاصة ويوفرون مقاعدهم للأكثر عوزاً وذوي الوضع الانساني والصحي الدقيق.
وإذا كان الحوت يتصرف بـ«ميدل إيست»، المملوكة غالبية أسهمها من مصرف لبنان، كشركة تجارية خاصة، من دون أن يأبه للآلية الحكومية ولا لتوفير الظروف الصحية للركاب الذين يدفعون ثمن سعر البطاقة مضروباً بثلاثة أضعاف، إلا أن السؤال الرئيسي هنا: ما الذي يدفع وزير الخارجية الى الاستجابة لمطالب الحوت على حساب بقية الراغبين في العودة؟ علماً بأن المسؤولية الأولى في إعداد اللوائح تقع على الوزارة التي تعدّها بالتنسيق مع السفراء الموجودين في دول الإجلاء. وتشير المصادر الى أن بعض السفراء تمكنوا في السابق من تمرير بعض الأسماء غير المستحقة، إلا أن عدداً كبيراً منها كان يجري شطبه بأمر من حتّي… «الى أن بات الوزير هو الذي يبيح هذا التجاوز رغم اعتراض السفراء».
فرض الحوت نحو 25 اسماً على طائرة لاغوس بموافقة من حتي
ويبدو أن الأمر لا يقتصر على طائرة لاغوس، بل إن الحوت فتح شهية آخرين لاعتماد النهج نفسه. وقد حصلت «الأخبار» على لائحة أسماء مرسلة من وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار مع إشارة الى الاتفاق المسبق عليها بينه وبين وزير الخارجية وضرورة إضافتها الى الرحلات القادمة من دبي. هذه اللائحة – وبخلاف لوائح الحوت – غير مفصلة ولا تذكر عناوين الأشخاص، بل تكتفي بإيراد أسمائهم وأرقام هواتفهم في دبي. ويبلغ عدد هؤلاء نحو 24 شخصاً كتب الى جانب 7 من الأسماء «أولوية قصوى»، وبينهم اثنان يطلبان العودة على الطائرة القادمة في 3 أيار، وثلاثة يفضلون العودة على الرحلة التي تليها في 8 أيار. وفي المعلومات أن عدد ركاب الطائرة بات يناهز 170 راكباً، ما أثار إشكالاً في مجلس الوزراء، وأدى الى التلويح بعدم السماح للطائرة بالهبوط في المطار لمخالفتها المعايير الصحية المتّبعة والعدد المحدد من وزارة الصحة.
من جهة أخرى، ألغيت رحلة كازابلانكا – بيروت التي كان يفترض أن يعود على متنها 76 لبنانياً غداً، لأن أسعار البطاقات المرتفعة قلّصت عدد الراغبين في العودة الى 20. ويجري البحث في تسيير رحلة إضافية من الرياض الى بيروت بدلاً من طائرة كازابلانكا الملغاة، فيما تمّ الإبقاء على طائرة كازاخستان (2 أيار) رغم أن عدد ركابها لا يتجاوز الثلاثين. ووفق المصادر، فإن طائرة كازاخستان «بغالبيتها محسوبة على صاحب شركة مقاولات من أصدقاء الحوت، ويرغب في إجلاء كبار موظفيه»!
في اتصال مع مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية غادي خوري، وهو المسؤول عن ملف عودة اللبنانيين في الوزارة، لسؤاله عن الآلية المعتمدة لانتقاء الأسماء، اكتفى بالاشارة الى ان «الأسماء ترسل الى الأمين العام للوزارة فيؤشر عليها ويحولها الى وزير الخارجية للموافقة عليها».