Site icon IMLebanon

الجمهورية العائمة… ولكن على ماذا؟

أصبح الفسادُ في لبنان بورصة:

له دواماتُه وله أيام عمله، له ساعة افتتاح وساعة إقفال، أحياناً يكون مربوطاً ببورصات شقيقة عالمية، غارقة بدورها في الفساد، وهذه كلها تنسِّق مع شبكاتٍ دولية من المافيات.

ولأن الفسادَ كالبورصة، فإنَّه يبدأ مع كل طلعة شمس:

يُقرَع الجرس إيذاناً ببدء التداول، وتبدأ عروضاتُ الأسهم لتنطلق معها عمليات البيع والشراء، والتعليمة غالباً ما تأتي من عالمين من أصحاب الشأن في بورصات الفساد من سياسيين يضطلعون بمسؤوليات أو كانوا مسؤولين سابقاً.

إنَّها الجمهورية العائمة على بحر من الفساد، ويُخطئ مَن يعتقد بأنَّ هذا الفساد هو وليد ساعته، بل هو مزمنٌ ويرتبط بمنظومة ربما بدأت من أيام العثمانيين واستمرت مع الإنتداب الفرنسي، وصولاً إلى مرحلة الإستقلال وما بعده، وازدهرت في الحرب واستمرت حتى اليوم.

وبسبب تاريخية هذا المسار، فإن الفاسدين يتجرأون أكثر من الأوادم، والفاسدون لكي يُكملوا عملهم فإنَّهم يحصِّنون أنفسهم بشبكةٍ من المصالح والصداقات، التي تحميهم من غدرات الزمان وتقلُّبِ العهود فنجد الفاسدين أنفسهم، وهُم إياهُم، في كل العقود والعهود:

فكيف نجد الأسماء ذاتها في ملفِ الكهرباء مثلاً منذ ربع قرن وحتى اليوم؟

وكيف نجد الأسماء ذاتها في ملفِ المحروقات من أكثر من ربع قرن وحتى اليوم؟

وكيف نجد الأسماء ذاتها في ملفِ النفايات منذ أكثر من عشرين عاماً؟

وكيف نجد الأسماء ذاتها في المقالع والكسارات والمرامل من أكثرَ من نصف قرن؟

إنها جمهورية الحمايات بامتياز… الفاسدون يتوارثون ويتوالدون جيلاً بعد جيل، وصولاً إلى اليوم.

يقول النائب وليد جنبلاط في أحدث تغريدات له:

إذا كانت الملفات متشابكةً ومتداخلةً فهذا لا يبرر التردد في اتخاذ القرارات المناسبة.

ويتابع:

المطلوب التخلصَ من الحشرات أو التنؤات التي تشوِّه سمعة لبنان، وخرجت من أصحاب النفوذ والمال من حديثي النعمة، وكفى شحن القمح في السفن المسرّطنة أو في الكميونات الملوثة، إنَّها الفرصة الذهبية الأخيرة للقضاء لإخراج البلاد من هذا العفن والعسس المستشري.

ما يقوله جنبلاط في تغريداته هو في جزءٍ منه ما يتداوله الناس، سواء في مجالسهم أو من خلال تبادل التغريدات، فكل شيء أصبح معروفاً ومتاحاً ومباحاً، ولم يعد هناك سرٌّ في البلد، واليوم ومع تفتُّح وثائق بناما ربما صارت الشهية مفتوحة على مزيدٍ من الفضائح في شقِّها اللبناني، خصوصاً أنَّ ما تمّ كشفه ليس سوى مئات من الوثائق في مقابل الملايين التي تنتظر البدء بكشفها.

فلننتظر المزيد من الفضائح وليستعد جرس بورصة الفساد لأن يُقرع من جديد.