مَنح نواب الكتل النيابية الممثلة في الحكومة الثقة لـ«حكومتهم». هذا أمر متوقع وبديهي طالما هي «حكومة منّا وفينا» التي تشكّل استمراراً لنهج الحكومات السابقة المُستنسخة عن خريطة توزيع القوى في مجلس النواب، لكنّ هذا التماهي لم يكن كافياً لدفع الحكومات المتعاقبة منذ عام 2000 لوضع كثير من القوانين موضع التنفيذ.
«طافَ» مجلس النواب في الأيام المنصرمة بمكافحة الفساد. بدأ الأمر وكأننا أمام طبقة سياسية جديدة نفّذت «إنزالاً» في ساحة النجمة لتحاكم طبقة سياسية سابقة تقف وراء القضبان.
وفي المناسبة قدّمت وصفات عدة لـ«الأمراض المستعصية» على الحلّ، بعضها دخل ضمن إطار المزايدات، والبعض الآخر ينتظر المتابعة الجدية بعد إقلاع الحكومة بثقة مريحة ومتوقعة. لكن كان لافتاً إشارة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى أنه لا يزال هناك 39 قانوناً غير مطبقة، وأنّ من شأن تطبيقها إنهاء 90% من حالة الفساد وربما القضاء عليها»!
ويتبيّن من لائحة القوانين المنجزة أنّ هناك قوانين يعود صدورها الى عام 2000، ولم تصدر مراسيم تطبيقية عن الحكومات المتعاقبة تضعها موضع التنفيذ.
ومن هذه القوانين قانون الاتصالات، قانون تنظيم الكهرباء، قانون إدارة قطاع الطيران المدني، تصميم وتمويل وتطوير وإعادة إعمار مصفاتَي طرابلس والزهراني وتشغيلهما، وبناء محطة نهائية لتصدير واستيراد الغاز الطبيعي المُسال وبناء تجهيزات لتخزين الغاز الطبيعي وإنشاء شبكات لبيعه وتخزينه، حماية المستهلك، سلامة الطيران، وسيط الجمهورية، الموارد البترولية في المياه البحرية، إعتماد رقم تعريف موحد لكل مواطن أمام الادارات والمؤسسات العامة والبلديات، قانون السير الجديد، تخصيص محامين عامّين متفرغين وقضاة تحقيق لشؤون البيئة، الموافقة على إبرام اتفاق إنشاء الاكاديمية الدولية لمكافحة الفساد بصفتها منظمة دولية، قانون سلامة الغذاء، قانون مكافحة تبييض الأموال…
ويحدد قانون الاتصالات الصادر في 22-7-2002 صلاحيات الوزير واستيفاء البدلات الخاصة عن استخدام الترددات اللاسلكية والترخيص بخدمات الاتصالات واستخدام الاملاك العامة والخاصة، أصول الخصخصة، وأوضاع الموظفين والأجراء والمتعاقدين والمستخدمين في الوزارة وأوجيرو، وحتى الآن لا تزال بعض القرارات التطبيقية في شأنه إمّا غير مطبقة وإمّا غير صادرة أصلاً كما بقية القوانين المعلّقة التنفيذ وعلى رأسها «وسيط الجمهورية»…
والشكوى من عدم تطبيق القوانين من جانب بري لاقَتها للمرة الأولى منذ دخول «حزب الله» على خط ملف مكافحة الفساد، شكوى صدرت شخصياً عن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في شأن الحاجة الى تعديل بعض القوانين القائمة بغية تفعيل مبدأ المراقبة والمحاسبة والحدّ من الفساد وصولاً الى استئصاله.
هكذا باتت شخصيات من «الحزب» تدخل في تفاصيل ملف مكافحة الفساد، ومن مدخله الأساس، أي القوانين، عبر الدعوة الصريحة لمنع وصول أشخاص مشبوهين الى رئاسة الهيئات الرقابية ويمتلكون المقدار الكافي من المناعة على الاستسلام لـ«الأخطبوط».
ويبدو أنّ «حزب الله»، بناء على خطابات السيد نصرالله المتتالية والمركّزة في شأن هذا الملف والتي كان آخرها السبت، سيتشدد من خلال بعض نوابه، ومن خلفهم فريق عمل من القانونيين والحقوقيين، في مهمّة تعديل بعض قوانين الهيئات الرقابية، وعلى رأسها قانون المناقصات العمومية، وهي الإدارة الشاهدة على مئات الصفقات التي كانت تُبرم من وراء ظهر «إدارة المناقصات» ومن دون أي رقيب أو حسيب، وقد يشكّل ذلك مدخلاً الى جعل الصفقات بالتراضي من «أيام عهود الفساد الغابرة»!
وتشير المعطيات الى خطة لدى «حزب الله» للدخول مباشرة على خط تفعيل قانون «الهيئة العليا للتأديب» من خلال تعديله وتحريره من بعض الأثقال، منها ارتباطه بالتفتيش المركزي. و«الهيئة العليا للتأديب» هي المعنية بملاحقة ومحاكمة الموظفين الفاسدين الكبار في الدولة ومؤسساتها.
وعلى جدول الاعمال أيضاً تعديل قوانين ديوان المحاسبة، وهيئة التفتيش القضائي، والإثراء غير المشروع، والتهرّب الضريبي والمجلس الأعلى للجمارك… وصولاً الى هيئات التحقيق والمراقبة في مصرف لبنان و«تحرير» القضاء.
يذكر أنّ اقتراحات قوانين بتعديل قانون «الهيئة العليا للتأديب» و«قانون الصفقات العمومية»، لا تزال على طاولة اللجان النيابية.