لا يفوّت «حزب الله» فرصة إلا ويستغلها من أجل تعويم النظام السوري مُجدداً ومنحه «شرعية» بين الدول علّه يتمكّن من نزع صفة الإجرام عن حليفه وتلميع صورته أمام المُجتمع الدولي. وآخر هذه الفرص وجدها الحزب من بوابة النازحين السوريين في لبنان، وذلك على لسان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي طالب الحكومة اللبنانية بـ «أن تضع على جدول أعمالها كيفية التنسيق مع الحكومة السورية من أجل تسهيل عودة النازحين طوعاً إلى المناطق الآمنة في داخل سوريا».
لم تُبارح النظام السوري صفة الإجرام منذ اليوم الأوّل للثورة السورية على الرغم من المنحى السلمي الذي سلكته في بدايتها قبل أن «يُشيطنها» النظام وحلفاؤه ويمدوها بالسلاح ويفتحوا لها المعابر للتوغّل في الحياة السورية حتى أصبحت على الشكل الذي هي عليه اليوم. وعلى مدار السنوات الست من عمر هذه الثورة، لم يخرج «حزب الله» ولو لمرّة واحدة، لينتقد تصرفاً أو فعلاً مشيناً بسيطاً للنظام على الرغم من حجم الإجرام الذي مارسه بأبشع صوره والمجازر التي ما زال يرتكبها حتّى اليوم، وليس أفظعها قصف أطفال الغوطة بغاز السارين،لا بل أكثر من ذلك، يعمد الحزب بين الحين والآخر إلى تغطية إجرام النظام السوري سواء في اعلامه او في الميدان، فتذهب كل إتهاماته في اتجاه أو عنوان واحد اسمه «التكفيريون».
«حزب الله» الذي لم يستطع أن يُقنع جزءاً كبيراً من جمهوره والجزء الأكبر من اللبنانيين، بخوضه الحرب السورية إلى جانب نظام بشّار الأسد، نظراً لتاريخ هذا النظام الحافل بالجرائم في لبنان وتنكيله باللبنانيين من دون تمييز، بالإضافة إلى الدوافع غير المُبرّرة التي حتّمت على الحزب دخول هذه الحرب تحت مُسمّيات متعددة ومتنوعة، يُريد اليوم تحميل الحكومة اللبنانية ما لا طاقة لها على تحمّله تحديداً في ما خص ملف النزوح السوري الذي هو ملف يُثقل كاهل اللبنانيين جميعهم وليس جزءاً منهم، وقد تناسى الحزب أنه في الأصل هو أحد أهم الأطراف التي تسبّبت بهذا النزوح من خلال تهجيره قسماً كبيراً من هؤلاء من مدنهم وقراهم وخصوصاً أهل القلمون التي احتل ما نسبته 85 في المئة من مُجمل مساحتها، وباعتراف قادة «حزب الله» أنفسهم.
وفي سياق العزف على وتر النازحين واستغلاله لهذا الملف بأبشع الطرق وفي سياق محاولات حشر الحكومة اللبنانية، يقول قاسم خلال ذكرى اسبوع قيادي سقط في سوريا «آن لنا أن نمتلك الشجاعة لنبدأ بالحل، فالحل الأمني لا يكفي وحده ويتطلب هذا الحل حلاً سياسياً وإجتماعياً، وقد تبين بحسب الإحصاءات أن في سوريا أماناً ساعد على عودة 500 ألف من النازحين»، متسائلاً: لماذا لا يسهل لمن يستطيع أن يعود وهذا لا يمكن أن يتم إلا بتنسيق بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية؟».
دعوة قاسم هذه، لاقتها جملة اعتراضات لبنانية عبّرت عن مواقف رافضة للتنسيق مع النظام السوري، خصوصاً وأن ملف عودة النازحين السوريين هو في عهدة الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، ومن هنا كان تأكيد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأن «الحكومة اللبنانية لن تعيد أي سوري إلا وفق ضمانات دولية والى مناطق آمنة تحددها الامم المتحدة». والأمر المُستغرب و المُستهجن في طرح قاسم، أنه جاء بالتزامن مع عمليات إبادة يقوم بها النظام السوري في أحياء مدينة درعا من خلال قصفها بمئات البراميل المُتفجرة وقنابل «النابالم»، على الرغم من إعلان وقف الأعمال القتالية في المحافظة الجنوبية (درعا والقنيطرة) لمدة 5 أيام.
وكدليل ساطع على الإجرام الذي يُمارسه النظام السوري حليف «حزب الله» الداعي إلى التواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية، هو ما نشرته صفحات تعود لمؤيدين لهذا النظام على مواقع التواصل الإجتماعي، صور ومشاهد فيديو يظهر خلاله محمد جابر، قائد ميليشيا «صقور الصحراء» التابعة للنظام، وهو يسند قدميه على رؤوس مقطعة قالوا بأنها تعود لعناصر من تنظيم «داعش» وصور «تذكارية» أخرى تُظهره إلى جانب جثث مُقطعة في ريف حماة الشرقي. وكان سبق جابر إلى فعل الإجرام هذا، العميد عصام زهر الدين قائد عمليات النظام في مدينة دير الزور، من خلال التقاط صور له مع جثث مقطعة ومتفحمة في محيط مطار دير الزور العسكري. وقد ظهر ابن الأخير أيضاً، يُدعى يعرب وهو مقاتل في صفوف ميليشيا «نافذ أسد الله»، وهو يحمل بيده رأساً مقطوعاً لأحد عناصر «داعش»، وفي يده الأخرى سكيناً للذبح.
بعد هذه الوقائع المصوّرة والمؤرخة، كيف يُمكن لـ»حزب الله» أن يُقنع نفسه أولاً وجمهوره الذي هو جزء لا يتجزّأ من الشعب اللبناني وأحد أبرز أركانه ثانياً، بأن النظام السوري جهة يُمكن مقابلتها بإنفتاح والتعامل معها من دون هواجس؟ وكيف للحزب أن يُقنع جمهوره، بأن من ارتكب المجازر بحق أبنائهم ورفاقهم في ثكنة «فتح الله» ومن قصف أطفال ونساء وشيوخ شعبه بالمواد الكيماوية، يُمكن ان يؤتمن على أرواح اللبنانيين وأيضاً العائدين السوريين إلى منازلهم؟. والسؤال الأبرز: عن أي وطن حر ومستقل وصاحب قرار، يُمكن أن يُحدثنا أو يُخبرنا عنه الحزب، وهو يعرضه يومياً للخطر والاهتزاز ويتوعد الشعب اللبناني وغيره، بفتح الحدود أمام مُقاتلين من إيران والعراق وأفغانستان وباكستان؟.