تزداد علامات الاستفهام حول تماسك الموقف السياسي وتناغمه ضمن كتلة «المستقبل» النيابية، وذلك جراء خروج عدد من نوابها بمواقف وتصريحات تتناقض كليا مع الاستراتيجيا السياسية التي وضعها والتزم بها الرئيس سعد الحريري في إطلالاته الأخيرة.
ولا شك في أن إصرار بعض النواب على التغريد السياسي خارج «السرب الأزرق» يدل على أمور عدة، أبرزها:
أولا، فقدان زعيم «المستقبل» الغائب عن لبنان السيطرة السياسية على نوابه، بما يؤدي الى هذا التخبط والتناقض في المواقف.
ثانيا، لجوء «المستقبل» الى ممارسة «التقية السياسية»، من خلال تبادل الأدوار بعدما أجبرته التفاهمات الاقليمية على مشاركة «حزب الله» في الحكومة السلامية، من دون أن يتمكن من تحقيق أي إنجاز على الصعيد الشعبي، فضلا عن استخدامه الرسائل السياسية غير المباشرة، والتي كانت أمس الأول من نصيب رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر النائب أحمد فتفت في مقابلته مع الزميلة بولا يعقوبيان في برنامج «إنترفيوز» على شاشة «المستقبل»، ومن نصيب الجيش اللبناني عبر النائب خالد الضاهر في مقابلته مع الزميل وليد عبود في برنامج «بموضوعية» على شاشة الـ «أم تي في» وقبلها خلال مؤتمراته الصحافية.
ثالثا، اقتناع بعض النواب بالوهن الشعبي الذي أصاب تيارهم، وبالتالي دخولهم في منافسة مع بعضهم البعض على المواقف المتطرفة، بهدف استمالة الشارع بمعزل عن مواقف والتزامات زعيم تيارهم. ولعل الخلافات التي بدأت تطفو على «السطح الأزرق» وزاريا ونيابيا، وحتى بين المنسقين والطامحين في بعض المناطق، تشير بوضوح الى هذا التشتت الذي يفرض نفسه على «المستقبل» عموما.
رابعا، لجوء «المستقبل» الى التعويض عن عدم قدرته على تنفيذ الوعود المالية والانمائية والخدماتية الكثيرة التي أطلقها في أكثر من منطقة لبنانية، وخصوصا في طرابلس وعكار، بالتحريض وإثارة الغرائز المذهبية عبر بعض المواقف ليردم الهوة التي نشأت جراء ذلك بينه وبين قاعدته الشعبية.
واللافت أن كتلة «المستقبل» التي تكتفي باصدار بعض بيانات التبرؤ من مواقف النائب خالد الضاهر، قد لاذت بالصمت حيال كلامه التلفزيوني الخطير ليل أمس الأول، وهي تبدو عاجزة حتى الآن عن اتخاذ أي قرار بشأنه، أو بشأن غيره ممن يساهمون في توتير علاقات الرئيسين الحريري والسنيورة على حد سواء، مع بعض المرجعيات السياسية والدينية في لبنان.. إضافة الى المؤسسة العسكرية.
وتشير بعض «الاجتهادات» الى أن ما ساقه فتفت في مقابلته التلفزيونية بحق الرئيس بري ووصفه له بأنه قائد ميليشيا، يدخل في شقين: أولهما الثأر الشخصي لنائب الضنية من رئيسه، منذ «السقطة الاعلامية» بحق فتفت على شاشة «أن بي أن» عقب اغتيال النائب الشهيد وليد عيدو. وثانيهما مقصود وضمن اللعبة السياسية والسقف المسموح به، لجهة التعبير عن انزعاج كتلة «المستقبل» من الرئيس بري نتيجة إصراره على رفض التمديد ودعمه تحركات المجتمع المدني بهذا الخصوص، وإظهار نفسه حاميا للديموقراطية على حساب بعض الكتل النيابية وفي مقدمتها كتلة «المستقبل».
أما بالنسبة للنائب الضاهر فينطبق عليه قول الرئيس الحريري «من كان ضد الجيش فليس معنا، ومن كان مع تنظيم داعش فليتفضل ويذهب إليه».
وتؤكد مصادر مستقبلية قيادية لـ«السفير» أن ما قاله النائب فتفت بحق الرئيس بري سيتم بحثه في كتلة «المستقبل» وهو ليس خارج السياق السياسي، في حين أن النائب خالد الضاهر يلعب لعبة الشارع بهدف تحقيق مصالح شخصية وشعبية، وهذا يخالف توجهات الكتلة التي لديها استراتيجيتها السياسية التي وضعها الرئيس الحريري، لافتة الانتباه الى أن استمرار الضاهر على هذا المستوى من المواقف المتطرفة والتحريضية، لا سيما ضد الجيش، ستجعله عاجلا أم آجلا بعيدا عن زملائه النواب، أو ربما خارج الكتلة.
وترى المصادر نفسها أن الأمور مرشحة اليوم الى مزيد من التعقيد، في ظل عدم وجود أي تفاهمات أو تسويات سياسية على الصعيد الاقليمي قد تعكس نفسها إيجابا على الصعيد اللبناني، الأمر الذي من شأنه أن يرفع السقف السياسي ضد الخصوم في الأيام المقبلة، شرط الالتزام بالثوابت لجهة دعم الجيش، وعدم ترجمة أي سخونة سياسية في الشارع.